الدكتور الشيخ أحمد الوائلي عليه الرحمة
الشيخ الدكتور أحمد الوائلي عليه الرحمة
(1347هـ – 1424هـ)
اسمه ونسبه:
هو الشيخ أحمد بن الشيخ حسون بن سعيد بن حمود الليثي الوائلي. اشتهرت هذه الأسرة في النجف بأسرة آل حرج، وحرج هو اسم الجد الأعلى لها وهو أول من نزح من الغراف بلدهم الأصلي وهبط في النجف الأشرف على أثر معركة بينه وبين بعض العشائر، ففر إلى النجف واتخذها موطناً ومسكناً وملاذاً.
ولادته:
ولد الشيخ عليه الرحمة في 17 ربيع الأول 1347هـ.
نشأته ودراسته:
لقد تميزت البيئة النجفية بأنها موئل العلم والأدب باعتبارها المركز الحيوي للحوزات العلمية والدراسات الدينية، لذلك كانت رافداً مهماً في حياة شيخنا، حيث انبثق من صميم هذه البيئة المملوءة بالمفكرين والعلماء والخطباء، حتى أصبح شيخنا يمتاز بهذه الشخصية الثرية بالعلم والأدب والخطابة.
كان قربه من تلك العقول العظيمة وفي رحاب أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) أعطت ذلك الفتى الصغير أجواء من الولاء والإيمان الزاخر بالنشاط العلمي والحيوية الدينية، حتى كانت خطوته الأولى هو التوجه نحو مكاتب القرآن الكريم ويتعلم مبادئ القراءة والكتابة ويخزن في عقله الآيات، وكان عمره حينذاك سبع سنوات.
وكان أول أستاذ يتعلم على يديه هو الشيخ عبد الكريم قفطان الذي أشرف على تعليمه في مسجد الشيخ (علي نواية)، ثم ولج المدارس الرسمية وانتسب لمدرسة الملك غازي الابتدائية، ثم دخل في مدارس منتدى النشر حتى تخرج منها في عام 1962، وحصل على البكالوريوس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية، ثم أكمل الماجستير في جامعة بغداد.
وكانت رسالته (أحكام السجون) الكتاب المطبوع المتداول اليوم، ثم قدم الدكتوراه في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة حتى نالها بأطروحته المعنونة (استغلال الأجير وموقف الإسلام منه).
وإلى جانب ذلك توغل الوائلي بالدراسة الحوزوية وقرأ مقدمات العلوم العربية والإسلامية وتدرج فيها حتى المراحل المتقدمة على يد نخبة من أساتذة الحوزة المبرزين منهم الشيخ علي ثامر، والشيخ عبد المهدي مطر، والشيخ علي سماكة، والشيخ هادي القرشي، والسيد حسين مكي العاملي، والشيخ علي كاشف الغطاء، والسيد محمد تقي الحكيم، والشيخ محمد حسين المظفر، والشيخ محمد رضا المظفر والشيخ محمد تقي الإيرواني، وهؤلاء الأساتذة هم علية القوم ومفاخر الحوزة، وقطع الأستاذ الوائلي شوطاً من حياته الدراسية التي يعتز بها في ظل هذه الكوكبة اللامعة.
خطابته:
للشيخ للوائلي عليه الرحمة تاريخ عريق ومجد أصيل في خدمة المنبر الحسيني الشريف فقد تدرج منذ بواكير حياته في هذا الاتجاه وتبلورت في شخصه إمارات النبوغ وسمات التفوق منذ عهد بعيد حسب ما تنص الوثائق والمستندات التاريخية والاجتماعية حتى أصبح ركناً هاماً من أركان الخطابة الحسينية، وعلماً من أعلامها، إلى أن ألقت إليه زمامها، وسلمته قيادها، بعد أن خلت الساحة من فرسانها، فكان الوريث لميدانها، واستلام عنانها، بحق وجدارة، فهو اليوم أستاذ لجيل من نوابغ الخطباء المعاصرين، ومقياس لمستوى الخطيب الناجح، والعبقرية الفذة في الأسلوب، لذلك اعتبر المؤسس للمدرسة الحديثة لخطابة المنبر الحسيني.
إن أوليات الأستاذ الوائلي في الخطابة وارتقاء المنبر الحسيني هي في العقد الأول أو على مشارف العقد الثاني من عمره وزاول ما يعرف خطابياً بقراءة المقدمة حتى إذا تناصف العقد الثاني من عمره انفرد بنفسه، وكانت مجالسه الابتدائية في النجف والكوفة والحيرة والفيصلية من بداية الأربعينات من هذا القرن.
واستمر يقرأ في مختلف المناطق العراقية كالبصرة والشطرة والناصرية والحلة وبغداد والمجر الكبير والسماوة والنجف وكربلاء وبعض القرى والمدن العراقية الأخرى. حتى عام 1951، وفيها دعي للقراءة في الكويت في الحسينية الخزعلية بمناسبة العشرة الأولى من شهر محرم.
واستمر في مجلسه هذا تسع سنوات بعدها انتقل إلى البحرين في عام 1960 م حتى عام 1965 م في مأتم ابن سلّوم ثم عاد إلى الكويت واستمر حتى منتصف الثمانينات ثم مضى إلى العاصمة البريطانية وقرأ فيها مجالس عاشوراء.
أما في العشرات الأخرى من الشهر فإنه يوزعها على أقطار وأمصار مختلفة عراقية وغير عراقية، أما في شهر رمضان فكانت مجالسه المشهودة في بغداد ثم انتقل إلى مسجد الإمام علي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة حتى عام 1995 م.
وعُرِفَ عن الوائلي انه لا يقرأ في منطقة أكثر من عشر أيام حتى ينتقل إلى أخرى ويبقى الشوق إلى مجالسه، ويبقى تألقه فوق المنبر.
شعره:
يتميز شعر الأستاذ الوائلي بفخامة الألفاظ وبريق الكلمات وإشراقه الديباجة، فهو يعني كثيراً بأناقة قصائده، وتلوين أشعاره بريشة مترفة.
لذلك فهو شاعر محترف مجرب ومن الرعيل الأول المتقدم من شعراء العراق. وهو شاعر ذو لسانين فصيح ودارج، وأجاد وأبدع بكليهما، وهي بحق من عيون الشعر الشعبي كقصيدة (حمد) وقصيدة (سيارة السهلاني) وقصيدة (شباك العباس) وقصيدة (سوق ساروجه) وقصيدة (داخل لندن) وقصيدة (وفد النجف) وكلها من القصائد الرائعة. ويجري الشعر على لسانه مجرى السهل الممتنع بل ويرتجله ارتجالاً.
ورسم الأستاذ الوائلي قصائده المنبرية بريشة الفنان المتخصص الخبير بما يحتاجه المنبر الحسيني من مستوى الشعر السلس المقبول جماهيرياً وأدبياً فكانت قصائده في أهل البيت طافحة بالحرارة والتأثير.
وللوائلي دواوين صغيرة مطبوعة تحت عنوان الديوان الأول والديوان الثاني من شعر الشيخ أحمد الوائلي، وقد جمعت بعض قصائده التي تنوعت في مضامينها في ديوانه المسمى باسم (ديوان الوائلي) والتي كانت من غرر أشعاره في المدح والرثاء والسياسة والشعر الأخواني. ومن شعره في أهل البيت قصيدة في رثاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) لم تطبع كغيرها في ديوان شعره مطلعها:
أفيضي فـبرد الليـل مـدّ حواشيه *** وعبّي فـؤاد الكرم راقت دواليه
وجاء في أواخرها:
أبا حسن والليـل مـرخٍ سـدولـه *** وأنت لـوجـه الله عـان تناجـيه
براك الضنا من خوف باريك في غـد *** وقد أمن المغرور مـن خوف باريه
وغالتك كـف الرجس فانفجع الهدى *** وهدّت من الدين الحنـيف رواسيه
وهي أكثر من أربعين بيتاً طبعت في كتاب شعراء الغري للخاقاني مع مجموعة أخرى من شعره القديم.
وله قصيدة في رثاء علي الأكبر في خمس وأربعين بيتاً لم تطبع كذلك في ديوانه، طبعها السيد المقرّم في كتابه (علي الأكبر) مطلعها:
هل من سبيل للرقــاد النـائي *** ليـداعب الأجـفان بالإغفاء
أم إن ما بين المــاجر والكرى ترة *** فلا يألـفن غـير جـفاء
أرق إذا هدأ السمــير تعوم *** بي الأشـواق في لجج من البرحاء
أقسمت إن أرخى الظلام سدوله *** أن لا أفـارق كوكب الخرقاء
فإذا تـولى اللـيل أسـلمـني *** إلى وضح النهار محطم الأعضاء
لا عضو لي إلا وفـيه من الجوى *** أثـر يـجر إليه عـين الرائي
قلق الوضين أبـيت بين جوانحي *** همم تحـاول مـصـعد الجوزاء
من مؤلفاته :
1. هوية التشيع.
2. نحو تفسير علمي للقران.
4. من فقه الجنس.
4. ديوان شعر2،1.
5. أحكام السجون.
6. استغلال الأجير.
الإبداع عند الوائلي:
إن الإبداع الذي حققه الشيخ الوائلي في خطابته أنه غيّر طريقة الخطابة الحسينية، وفق نمط جديد تمثل في افتتاح مجلسه بآية من القرآن الكريم، ثم يبدأ بالحديث عنها وتفسيرها والتوسع في مضامينها العقائدية والاجتماعية والأخلاقية وما إلى ذلك من مواضيع تتصل بالآية. وهو منهج لم يكن معروفاً قبل الشيخ الوائلي. حيث كان المجلس يبدأ بأبيات شعرية حول المصيبة الحسينية ينطلق منها الخطيب في خطبته. وبذلك يكون الشيخ الوائلي قد احدث تطوراً مشهوداً في الخطابة سار عليه الخطباء الذين جاؤا بعده. وقد ألف الناس هذا النمط من الخطابة واعتبروه نمطاً نموذجياً يفوق الطريقة التقليدية التي تبدأ بأبيات من الشعر.
لقد فرض الدكتور الوائلي على كل من سمعه أن يتابع خطبته حتّى النهاية، ويحرص على متابعة بقية خطبه الحسينية. وكانت مجالس ما قبل الشيخ الوائلي تضم عادة كبار السن، وبسطاء الناس. أما مجالسه هو فقد تميزت بحضور الطبقة المثقفة من الطلبة الجامعيين والأساتذة ورجال الأدب والفكر. وكل من يحضر يخرج بحصيلة مفيدة ينتفع بها. فالشيخ لا أخذ على نفسه إلاّ أن يفيد سامعيه بالرأي الجديد والفكرة الغنية والموعظة المؤثرة.
وفاته:
أصيب الشيخ الوائلي بمرض السرطان ثلاث مرات وشفي منه ، ثم رجع إلى العراق بعد سقوط النظام . وبعد مدة يسيرة توفي في اليوم الرابع عشر من شهر جمادى الأولى من عام 1424هـ بمدينة النجف الأشرف . ودفن إلى جانب قبر الصحابي كميل بن زياد رضوان الله عليه . وقد أقيم له تشييع مهيب يليق بما قدمه للمذهب الشيعي وللإسلام عامة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنظر/
1- خطباء المنبر الحسيني ج1 ص116 – 119 .
2- موقع الشيخ الدكتور أحمد الوائلي الالكتروني .