السيد حسن الصدر قدس سره
السيّد حسن الصدر قدس سره
( 1272هــ – 1354هـ )
نسبه ونسبه:
السيّد حسن بن السيّد هادي بن السيّد محمّد علي بن السيّد صالح بن السيّد محمّد بن السيّد إبراهيم الشهير بشرف الدين العاملي الإصفهاني الكاظمي، ينتهي نسبه إلى إبراهيم الأصغر الملقّب بالمرتضى ابن الإمام موسى الكاظم عليه السّلام[1].
ولادته ونشأته:
ولد في مدينة الكاظميّة يوم الجمعة 29 من شهر رمضان المبارك لسنة 1272هـ، وانحدر من عائلة عريقة في الشرف والعلم والفضل، أصلها من جبل عامل في جنوب لبنان. وكان جدّه الأكبر السيّد صالح قد هاجر إلى العراق، ثمّ إلى أصفهان.
بدأ حياته الدراسيّة في مدينة الكاظميّة، فاقتبس علوم اللغة من أساتذة مهرة اختارهم أبوه الذي استفرغ الوسع في تهذيب ولده وتأديبه وتثقيفه، ولم يدّخر والده وسعاً ـ وقد لحظ في ابنه مخايل الذكاء والنبوغ ـ في إرهاف عزمه وحثّه على الإمعان في الدرس والبحث، فما بلغ الثامنة عشرة من عمره حتّى أتقن علوم الفقه والأصول. ثمّ هاجر إلى النجف الأشرف سنة 1288هـ لينهل من معين علومها وفنونها، فدرس الحكمة العقليّة والكلام والفقه والأصول على أفذاذ علمائها، من أمثال المولى محمد باقر الشكي، والشيخ محمّد تقي الكلبايكاني، حتّى غدا من كواكبها اللامعة ونجومها الثاقبة[2].
التحاقه بمدرسة المجدّد الشيرازي:
حتّى إذا ارتحل مجدّد الشريعة السيّد محمّد حسن الشيرازي الكبير (صاحب الفتوى الشهيرة التي حرّم فيها التنباك، فتابعه الشعب الإيراني في فتواه، ممّا أجبر دولة بريطانيا وحكومة إيران القاجاريّة على إلغاء معاهدة التنباك وتحمّل الأضرار الجسيمة جرّاء ذلك الفسخ) من النجف الأشرف إلى سامرّاء سنة 1291هـ، التحق به كوكبة لامعة من أعلام الحوزة العلميّة في النجف، كان فيهم ـ سوى المترجَم له ـ ابن عمّه السيّد إسماعيل الصدر، والسيّد كاظم الطباطبائي اليزدي، والآخوند ملاّ كاظم الخراساني، والشيخ آقا رضا الهمداني، والشيخ الميرزا حسين النوري، والميرزا حسين النائيني وسواهم من العلماء.
وقد أفاد السيّد حسن الصدر من محضر الميرزا، وحضر حلقات درسه التي ارتقت بسببها الحوزة العلميّة في سامرّاء وبان فضلها على سواها من معاهد العلم والدراسة، ثمّ عاد بعد سنتين إلى جامعة النجف الكبرى، وبقي حنينه إلى حوزة المجدّد الشيرازي يلاحقه، وسرعان ما عاد أدراجه إلى سامراء سنة 1297هـ فلازم المجدّد الشيرازي، فتوزعّت أوقاته ما بين حضور على أستاذه الشيرازي الكبير، ومناظرة مع أترابه العلماء، ومحاضرة يُلقيها على تلامذته، وتأليف ينفرد فيه بكتابه، وعبادة ينقطع فيها إلى محرابه، ويخلو خلالها بربّه.
وقد نقل المحدّث القمّي أنّه كان يشاهد الميرزا الشيرازي يبكّر في كلّ يوم إلى بيت السيّد حسن الصدر للمباحثة معه، ثمّ ينصرف إلى درسه العام الذي يُلقيه على تلامذته العلماء[3].
عودته إلى الكاظميّة:
لم يلبث السيّد حسن الصدر في سامرّاء بعد وفاة أستاذه الميرزا الشيرازي إلاّ عامين، قَفَل بعدهما راجعاً إلى مسقط رأسه الكاظميّة سنة 1314هـ، فحطّ الرحال بفِناء جدّه باب الحوائج إلى الله تعالى: الإمام موسى بن جعفر عليه السّلام، واستأنف نشاطه العلمي على عهد والده، فكانت مجالسه مدارس سيّارة تتفيّأ وارف ظلاله في حِلّه وترحاله.
تبحّره في العلوم:
كان ـ قدّس سرّه ـ قدوة في العلم والعمل، مرجعاً في أحكام الله تعالى، مُتبحِّراً في الأخبار والتاريخ، رأساً في أصول الفقه وعلم الرجال والدراية، راسخ القدم في التفسير. وقد اُوتي بلاغة في البيان، وجزالة في العبارة، وبسطة في المنطق والحكمة، ورسوخاً في الكلام والمحاجّة، أمّا في علم الأخلاق فكان بحراً لا ينزف، وخِضَمّاً لا يُسبر غَوره.
دفاعه عن الحقّ:
لم يَجُد الزمان بمثله في مناظراته دفاعاً عن الدين والمذهب، فقد مَنّ الله تعالى عليه بنَفَس في البحث طويل، وبُعد غَورٍ في الحُجّة، وكان يقتضب جوامع الكلم ونوابغ الحِكم، فكان كلامه ـ في إحقاق الحقّ وإبطال الباطل ـ فصلَ الخطاب، وكان لا تأخذه في الله تعالى لومة لائم.
مَلَكاته وسجاياه :
كان عزيز النفس، أشمّ الأنف، لا يصبر على خَسف أو ضَيم، وكان نائياً عن مقام العُجب، سَلس الطِّباع، ليّن العريكة، دَمث الأخلاق، وكان حادّ الذهن، يقظ الفؤاد، منّ الله تعالى عليه بنفسٍ سَمَت به إلى معالي الأمور، فكان مصداقاً لقول الشاعر:
وإذا كانت النُّفوس كِباراً *** تَعِبَت في مُرادها الأجسامُ
زاره أحدهم في بيته، وقد سمع بما يصله من الأموال الضخمة التي كان يُنفقها في سُبل البرّ والإحسان وفي تمشيّة أمور الشرع والدين وكان يحسب أنّه سيجده يرفل بالأرجوان، فوجده يفترش حصيراً بسيطاً[4].
مكتبته العامرة :
قال فيها السيّد عبد الحسين شرف الدين: «وَلِع السيّد حسن الصدر منذ حداثته إلى منتهى أيّامه في جمع الكتب، وعني بذلك كلّ العناية، وكان موفّقاً في تحصيل نفائسها من جميع العلوم والفنون: عقليّةً ونقليّة. ولا غرو، فقد كان يُؤثِر تحصيلها على بُلغته ونفقة يومه، وربّما باع في سبيلها الضروريّ من أمتعته، فاجتمع لديه ـ بسبب ذلك ـ من الكتب: مطبوعة ومخطوطة ثروة طائلة، ومَن جَدّ وجد.
تضمّنت مكتبته من نوادر الأسفار المخطوطة ما لا يوجد في أكثر المكتبات الحافلة، وبهذا رَنَت في الأقطار، فذكرها المتتبّع جرجي زيدان في طليعة مكتبات العراق، حيث استقصى تلك المكتبات في كتابه: تاريخ آداب اللغة العربيّة»[5].
قصّة تأليف «تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام» :
لتأليف كتاب «تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام» قصّة، فقد كان جرجي زيدان (1861 ـ 1914م) قد ذكر في كتابه «تاريخ آداب اللغة العربيّة» متحدّثاً عن الشيعة أنّ «الشيعة طائفة صغيرة لم تترك أثراً يُذكر، وليس لها وجود في الوقت الحاضر». فدفع هذا القولُ الشيخَ آغا بزرگ الطهرانيّ (1293 ـ 1389هـ / 1876 ـ 1970م) ورفيقَيه في العلم: السيّد حسن الصدر والشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء (1294 ـ 1373هـ / 1877 ـ 1954م) أن يتعاهدوا للردّ على هذا الزعم الباطل، فأخذ كلّ واحد منهم على عاتقه بيان جانب من جوانب الثقافة الشيعيّة الغنيّة، والتعريف بالمذهب الإمامي.
وتقرّر أن يبحث العلاّمة السيّد حسن الصدر في الآثار العلميّة لمدرسة أهل البيت عليهم السّلام وبيان فضلهم وسهمهم الوافر في تأسيس علوم الإسلام، وظهرت ثمرة هذا البحث في كتابه «تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام» وطُبع بمساعدة الشيخ آغا بزرگ سنة 1370هـ في 445 صفحة[6].
أمّا الشيخ آغا بزرگ فقد ألّف موسوعته الشهيرة «الذريعة إلى تصانيف الشيعة» في 25 مجلّداً استوعب فيه مصنّفات الشيعة في شتّى أنواع العلوم والفنون.
وأمّا الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء فقد ألّف كتاب «أصل الشيعة وأصولها» في بيان عقائد الشيعة في أصولهم وفروعهم.
صاحب الذريعة يتحدّث عن كتاب السيّد الصدر :
قال الشيخ آغا بزرگ صاحب كتاب «الذريعة إلى تصانيف الشيعة» وهو يتحدث عن كتاب «تأسيس الشيعة..»
«لسيّد مشايخنا آية الله السيّد حسن صدر الدين الموسوي العاملي الكاظميّ [كتاب]… ابتكر [فيه] موضوعاً خصّصه بالتدوين، وأبدع فيه غاية الإبداع، وقرّر فيه بما صحّ من التواريخ والسير فقدّم علماء الشيعة على سائر علماء الإسلام في تأسيس أنواع العلوم الإسلاميّة، من النحو والصرف وعلوم البلاغة والعروض واللغة والكلام والمعقول والفقه والأصول والتفسير والأخلاق وغير ذلك، وأثبت فيه سبقهم في التصنيف والتأليف في تلك الأنواع على مَن عَداهم، وأورد تراجم المؤسّسين وأحوالهم، فذكر بعض القدماء المصنّفين وتصانيفهم، وفرغ منه حدود سنة 1329 هـ»[7].
وفاته :
رحلت إلى بارئها تلك الروح الكبيرة التي لم تخلد إلى الراحة طيلة سنوات عمرها الطافح بالدأب والسعي والمثابرة، وذلك ليلة الخميس 11 ربيع الأوّل سنة 1354هـ في بغداد ـ وكان نُقل إليها للمعالجة ـ فضجّت لصدى وفاته إيران وأفغانستان والهند والعراق وجبل عامل وسائر البلاد الإسلاميّة، وحُمل نعشه إلى الكاظميّة على رؤوس الآلاف من مشيّعيه، فدُفن في حجرة من حجرات الصحن الكاظميّ فيها مقبرة والده السيّد هادي الصدر، وشارك في تشييعه العلماء والأشراف والمسؤولون، وقد أبّنتْه الصحافة العراقيّة، كما أبّنته الصحافة اللبنانيّة وأذاعت في تأبينه الكلمة الفذّة التي أبرزتها لجنة من أعلام العلماء انعقدت في مدينة صور، وأقيمت الفواتح على روحه، أعظمها الفاتحة التي أقامها في النجف الأشرف ثلاثة أيّام المرجع السيّد أبو الحسن الإصفهانيّ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش/
[1] أعيان الشيعة، للسيّد محسن الأمين 10:24.
[3] الشيعة وفنون الإسلام، للسيّد حسن الصدر ـ المقدّمة 15.
[3] الكنى والألقاب، للشيخ عبّاس القمّي 36:3.
[4] وهو الأديب اللبناني أمين الريحاني، ذكر ذلك في كتابه «ملوك العرب» 300:2، وسيأتينا وصفه للسيّد حسن الصدر.
[5] تكملة أمل الآمل ـ المقدّمة 40، نقلاً عن (بغية الراغبين في أحوال آل شرف الدين) للسيّد عبد الحسين شرف الدين.
[6] مجلّة الهادي ( قم)، العدد الخامس، السنة الرابعة، ص 91.
[7] الذريعة إلى تصانيف الشيعة، آغا بزرگ الطهراني 298:3 ـ 299.