علي الأكبر عليه السلام
علي الأكبر عليه السلام
مقتبس من كتاب علي الأكبر
تأليف السيد عبد الرزاق المقرب
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة :
غير خاف أن الغاية التي وضع لها فن التاريخ حفظ سير الماضين وما أوثر عن السلف من فضائل وآداب وعادات تكون سنة يستن بها الخلف وأثراً يقتفى في صالح الأعمال كما أن هناك ما لا يتفق مع صحيح الاعتبار وتأباه الفطرة السليمة ويتباعد عنه العقل الكامل مما يفت في العضد الاجتماعي فيعتبر من استضاء بنور عقله ومشى وراء فطرته واتخذ تلك السنن اللاحبة طريقاً مهيعاً الى غاياته الكريمة .
لكن الأهواء لعبت بعقول الرجال ، والمطامع أخذت بهم الى مهوى سحيق وان العصبية العمياء حرجت على الإشادة بذكر المواد الجوهرية من تاريخ رجالات الأمة وقادة الإصلاح .
ومن تلك القضايا المهمة التي سترها التاريخ أخبار السيد الشهيد « علي الأكبر » من أدوار حياته المقدسة الى حين شهادته يوم الطف وما تحلى به من فضائل وفواضل وما أوثر عنه من حكم وآداب .
كما رويت عنا أخبار امة الخفرة فلم نعرف أن الإمام « شهيد العبرة » متى اقترن بها وكيف كان عهده بها الى غير ذلك من سلسة تاريخها وتاريخ ولدها كل هذا من جرائم التاريخ ومن بواعث الأهواء القاهرة لها والمبيحة لنشر أخبار القيان والمغنين .
نعم شعت من بين تلك السحب الكثيفة التي أثارتها زوابع الحقد والعداء لأهل البيت عليهم السلام كواكب من الفضائل والفواضل تضمنتها سماء العظمة فأهدينا منها الى منزلة سامية لرجالات بيت النبوة ومنها ما يتعلق بتاريخ «الشهيد الأكبر»في اليقين والبصيرة والأخلاق الفاضلة والبلاغة والثبات عند ملاقاة الأقران مع نفس قدسية حوت جم المعارف وحميد الخصال .
وها نحن نثبت في هذه الرسالة ما أضاء لنا في ثنايا الجوامع وزبر الأولين فلمسناه جوهرة فردة وحقيقة راهنة وأخرجناه للقارئ تحت عناوين تمييزاً للبحث ومن الله سبحانه نستمد العون والتوفيق .
ليلى أم الأكبر :
هي بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي [1] وأمها ميمونة بنت أبي سفيان صخـر بن حرب بن أمية [2] وجدتها بنت أبي العاص وعمة أبيها برزة بنت مسعود زوجة صفوان بن أمية أم ولده عبدالله الأكبر [3] أخرجها صفوان معه يوم أحداً [4].
وما ذكرناه من اسمها نص عليه الشيخ المفيد في الإرشاد والطبرسي في أعلام الورى واختاره ابن جرير في التاريخ وابن الأثير في الكامل واليعقوبي في تاريخه والسهيلي في الروض الآنف .
ويرتئي السبط في تذكرة الخواص وابن جرير في المنتخب من الذيل ص 19 ملحق بجزء 12 والخوارزمي في المقتل ان اسمها « امنة وانفرد ابن شهر اشوب في المناقب فسماها « برة » وأنها ابنة عروة كانفراد السهيلي في الروض الآنف ج 2 ص 326 بأن ميمونة بنت أبي سفيان كانت جدتها من الأب وذلك ان عروة تزوج ميمونة فولدت له أبا مرة وبنت أبي مرة ليلى زوج الحسين .
ومن أجل اتصال ليلى بميمونة قيل لعلي الأكبر يوم الطف« إن لك رحماً بأمير المؤمنين يزيد» وأريد منه الجنوح الى عسكر يزيد لكن نفسه القدسية أبت إلا النزوع الى الشرف الخالد والحياة الأبدية فقال عليه السلام : إن رحم رسول الله أحرى بأن يرعى من رحم ابن آكلة الأكباد [5].
كانت ليلى من بيت شرف ومنعة فان جدها عروة أحد العظيمين الذين قالت قريش فيهما } وَقَالُوا لَوْلاَ نُزّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ { [6] والقريتان مكة والطائف ، والعظيم الآخر الوليد بن المغيرة المخزومي الملقب بالوحيد ولشرفه في قومه وكثرة أمواله لعدم انقطاع ملكه شتاءً وصيفاً كان يكسو الكعبة وحده وكان يفرش له بإزاء الكعبة من ناحية داره بعد وفاة عبد المطلب كما كان يفرش لابن جدعان من ناحية داره ويفرش « لشيخ الأبطح» أبي طالب مكان أبيه عبد المطلب بإزائها .
والوليد هذا هو المراد من قوله تعالى } ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً (12) وَبَنِينَ شُهُوداً (13) {[7] .
وفي مسعود الثقفي تجتمع ليلى مع المختار بن أبي عبيد الثقفي فإنها بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود ، والمختار بن أبي عبيد بن مسعود فـأبو مرة والد ليلى والمختار ولدا عم [8].
ولشرف عروة في قومه أرسلته قريش يوم الحديبية لعقد الصلح مع رسول الله صلى الله عليه وآله وكان كافراً وأسلم سنة تسع من الهجرة ورجع الى قومه يهديهم الى الإسلام فصعد الى علية له وأشرف منها عليهم وأظهر الإسلام ودعاهم إليه فرموه بالنبل وأصابه سهم فمات فقيل له ما ترى في دمك قال كرامة أكرمني الله بها وشهادة ساقها الله إلي ليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله فادفنوني معهم ، فلما مات دفنوه مع الشهداء وقال رسول الله ليس مثله في قومه إلا كمثل صاحب ياسين في قومه [8].
وكان عند عروة يوم اسلم عشر نسوة فعرفه النبي بأن الإسلام لا يبيح أكثر من أربع ، فاختار أربعاً منهن زينب بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية [9].
ولد أبو مرة والد ليلى على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فكانت له صحبة ولما قتل أبوه عروة خرج هو وأخوه أبو المليح إلى النبي وأعلماه بقتل أبيهما وأسلما ورجعا الى الطائف مسلمين .
وفي ليلى يقول الحارث بن خالد المخزومي [10]:
أطافت بنا شمس النهار ومن رأى من الناس شمساً في المساء تطوف
أبـــو أمها أوفى قريش بذمة وأعمـــامها إما سألت ثقيف
ولم يظهر لنا سنة وفاتها ولا مقدار عمرها ولا حضورها في مشهد الطف وإن نسبه «الدربندي » في أسرار الشهادة الى بعض المؤلفات المجهول صاحبها مع أن المؤرخين أجمع أهملوا ذكرها ولعلها كانت متوفاة قبل الطف .
وقال الشيخ الجليل المحدث الشيخ عباس القمي في نفس المهموم ص 167 لم أظفر بشيء يدل على مجيء ليلى الى كربلاء .
وناهيك بهذا المحدث الخبير المدقق فان عدم عثوره على مجيئها الى الطف فيه قناعة لمن يتطلب الوقوف على حقائق التاريخ .
ولادة الأكبر :
ولد علي الأكبر في الحادي عشر من شهر شعبان [12] سنة ثلاث وثلاثين من الهجرة قبل مقتل عثمان بسنتين [13] وقد قتل سنة خمس وثلاثين وقول شيخنا الجليل ابن إدريس الحلي في مزار « السرائر» ولد في خلافة عثمان يتفق معه .
فيكون له يوم الطف ما يقارب سبعاً وعشرين سنة ويؤيده اتفاق المؤرخين وأرباب النسب على أنه أكبر من الإمام السجاد الذي له يوم الطف ثلاث وعشرون سنة والتحديد بالسبع عشرة كما في منتخب الشيخ الطريحي أو الثمان عشرة كما في الإرشاد وأعلام الورى أو التسع عشرة كما في مناقب السروري ، محكوم لذلك الاتفاق مع خلوه عن الشاهد وكلمة ابن نما الحلي في « مثير الأحزان » : أن له يومئذ أكثر من عشر سنين وان كانت مجملة إلا أنها تقال لمن فوق العشرة بنحو ثلاث سنين ونحوها وهذا شيء غريب .
وأغرب منه ما في « نقد المحصل » للخواجة نصير الدين الطوسي ص179 طبعة مصر« أن له يوم الطف سبع سنين ».
فان القرائن دالة على منزلة له رفيعة عند أبيه الشهيد وتقدمه على من معه من أصحابه وأهل بيته عدى عمه العباس فان المؤرخين اتفقوا على أن الحسين عليه السلام لما اجتمع ليلة عاشوراء بابن سعد أمر من كان معه بالتنحي عنه إلا أخوه العباس وابنه علي الأكبر وكان مع ابن سعد غلامه وابنه حفص .
ولما خطب عليه السلام يوم عاشوراء وسمع بكاء عياله قال لأخيه العباس وابنه علياً الأكبر سكتاهن فلعمري ليكثر بكاؤهن .
ولما أمر الحسين أصحابه يوم الثامن بالذهاب الى المشرعة للاستقاء بعث معهم علياً الأكبر قائداً فان هذا يشهد بأن للأكبر يومئذ أكثر من هذا السن كما أن رجزه عند الحملة يشهد به فهذا الرأي لا نعرف مأخذه .
نعم من المحتمل قريباً إسقاط « عشرة » بعد السبع فيكون له سبع عشرة وهذا أليق وإن لم يوافقه التاريخ المتقدم .
كنية الأكبر :
جاء في زيارة علي الأكبر المروية عن أبي حمزة الثمالي أن الإمام الصادق عليه السلام قال له : ضع خدك على القبر وقل : صلى الله عليك يا أبا الحسن ثلاثاً [14] وكما يحتمل أن تكون الكنية لتفاؤل بالولد الحسن يحتمل أنها صدرت بعد أن كان له ولد سمي «الحسن» ورواية أحمد بن أبي نصر البزنطي تشهد بأنه كان متزوجاً من جارية له ولد منها فانه قال للإمام الرضا عليه السلام : الرجل يتزوج المرأة وأم ولد أبيها .
قال عليه السلام : لا بأس .
فقال أحمد : بلغنا أن علي بن الحسين ـ السجاد ـ تزوج بنت الحسن بن علي عليهما السلام وأم ولد أبيها .
فقال عليه السلام : ليس هكذا إنما تزوج ابنة الحسن عليه السلام وأم ولد لعلي بن الحسين المقتول عندكم [15].
ومن المعلوم أن الجارية لا يقال لها أم ولد إلا إذا ولدت من سيدها فهذا الحديث شاهد صريح على أن علي الأكبر كانت عنده جارية قد أو لدها .
على أن الاستضاءة من قول الإمام الصادق في تلك الزيارة التي رواها أبا حمزة تلمسنا جوهرة فردة وحقيقة ناصعة أضاعتها الحقب وعبثت بها أيدي الخائنين وذلك أن للأكبر الشهيد أهلاً وولداً وان كان عقبه منقطع الآخر فان الإمام الصادق يقول فيها : صلى الله عليك وعلى عترتك وأهل بيتك وآبائك وأبنائك وأمهاتك الأخيار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .
ولفظ الأبناء جمع يدل على أكثر من أثنين وكما يحتمل إرادة الصلبيين خاصة يحتمل أن يراد ما يعمهم وأبناءهم لكن الاحتمال الثاني مدفوع بظاهر إطلاق اللفظ عند العرف فإنه يختص بالصلبيين . كما أن قوله عليه السلام «وعلى عترتك» دال عليه فإن عترة الرجال ذريته فلو لم يكن له ذرية لما صح استعمال هذا اللفظ وورود هذه الجملة في لسان الإمام العارف بخواص البلاغة مقتضيات الأحوال أقوى برهان .
وغير خاف أن هذه الرواية رواها الشيخ الجليل ابن قولوية في «كامل الزيارة » بسند صحيح ورجال ثقاة منهم علي بن مهزيار وهو من أوثق وكلاء أبي جعفر الجواد عليه السلام كما دل عليه قوله في كتابه إليه« لقد خبرتك وبلوتك في الطاعة والخدمة فلو قلت اني لم أر مثلك رجوت أن أكون صادقاً » .
وفيهم ابن أبي عمير الثقة الثبت وهو الذي ضربه السندي بن شاهك على التشيع بأمر الرشيد مائة وعشرين سوطاً ثم حبس ولم يطلق إلا بعد أن دفع مائة وعشرين ديناراً .
لقب الأكبر :
لقب السيد الشهيد ( بالأكبر ) لكونه أكبر من الإمام زين العابدين وقد صرح بذلك السجاد عليه السلام حين قال له ابن زياد : أليس قتل الله علياً ؟ فقال الإمام : كان أخ أكبر مني يسمى علياًً فقتلتموه [16].
ولقد وصف السجاد بالأصغر والشهيد بالأكبر جماعة من المؤرخين منهم :
1. ابن جرير الطبري في تاريخ الأمم والملوك ج 6 ، ص 260 فان فيه قال حميد بن مسلم انتهيت الى علي بن الحسين الأصغر وهو مريض الخ .
وقال في المنتخب من الذيل الملحق بجزء 12 من التاريخ ص 19ولد الحسين علياً الأكبر ولا عقب له وعلياً الأصغر أمه أم ولد وفيه ص 88 قتل علي بن الحسين الأكبر مع أبيه بنهر كربلاء وليس له عقب وشهد علي الأصغر مع أبيه كربلاء وهو ابن ثلاث وعشرين سنة وكان مريضاً نائماً على الفراش .
2. ابن قتيبة في المعارف ص 93 ولد الحسين علياً الأكبر أمه بنت أبي مرة وعلياً الأصغر أمه أم ولد وفي ص 94 قال وأما علي بن الحسين الأصغر فليس له عقب إلا منه .
3. الدينوري في الأخبار الطوال ص 254 تقدم علي بن الحسين الأكبر وفي ص 256 قال لم ينج من أصحاب الحسين وولده وولد أخيه إلا ابنه علي الأصغر وكان مراهقاً .
4. اليعقوبي في التاريخ ج2 ، ص 94 طبعة النجف وأما علي بن الحسين الأصغر فليس للحسين عقب إلا منه .
5. القرماني في التاريخ ص 108 هم الشمر بقتل علي بن الحسين الأصغر وهو مريض .
6. الدميري في حياة الحيوان بمادة البغل أن علي بن الحسين الأصغر يلقب زين العابدين وكان له أخ أكبر منه يسمى علياً قتل مع أبيه بكربلاء .
7. السهيلي في الروض الآنف ج 2 ، ص 326 قتل معه بالطف علي الأكبر وأما علي الأصغر لم يقتل معه أمه أم ولد اسمها سلافة بنت كسرة يزدجرد .
8. الشعراني في لواقح الأنوار ج 1 ، ص 23 كان للحسين من الأولاد علي الأكبر وعلي الأصغر وله العقب .
9. سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ص 156 علي الأكبر قتل أبيه وعلي الأصغر وهو زين العابدين والنسل له .
10. ابن كثير في البداية والنهاية ج 9 ، ص 103 اشتهر علي بن الحسين بزين العابدين وكان له أخ أكبر منه يقال له علي أيضاً قتل مع أبيه .
11. الديار بكري في تاريخ الخميس ج 2 ، ص 319 كان زين العابدين ابن ثلاث وعشرين سنة وهو علي الأصغر وأما علي الأكبر فانه قتل مع أبيه .
12. ابن خلكان في وفيات الأعيان بترجمة السجاد ج 1 ، ص 347 طبعة إيران يقال لزين العابدين علي الأصغر وليس للحسين عقب الا منه .
13. الصبان في إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص 194 أن من أولاد الحسين علياً الأكبر وعلياً الأصغر له العقب .
14. الحافظ الثبت علي بن محمد بن علي الخزاز الرازي القمي في كفاية الأثر ص 318 من النسخة الملحقة بأربعين المجلسي والخرايج للراوندي في باب ما جاء عن الحسين من النص وفيه أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : كنت عند الحسين إذ دخل عليه علي بن الحسين الأصغر فدعاه الحسين وقبل ما بين عينيه ثم نص بالإمامة عليه وعلى الباقر عليه السلام .
15. في مجالس الصدوق ص 93 مجلس 30 عن الصادق عليه السلام أن الحسين جاء الى كربلاء بأولاده علي الأكبر وعلي الأصغر .
16. الشبلنجي في نور الأبصار ص 194 أن من أولاد الحسين علياً الأكبر استشهد مع أبيه وعلي الأصغر زين العابدين .
17. الشيخ فخر الدين الطريحي في المنتخب ص 20 طبعة هند وصف السجاد بالأصغر والمقتول بالأكبر .
هذا ما عليه المؤرخون من وصف السجاد بالأصغر وهناك جماعة استوضحوا كبر المقتول مع أبيه واكتفوا بتوصيفه بالأكبر وسكتوا عن وصف زين العابدين بالأصغر منهم :
18. ابن الأثير في الكامل ج 4 ، ص 30 قال أول من قتل من آل أبي طالب علي الأكبر وأمة ليلى .
19. المسعودي في مروج الذهب ج 2 ، ص 91 والتنبيه والإشراف ص 263 قتل مع الحسين ابنه علي الأكبر .
20. ابن الصباغ في الفصول المهمة ص 209 طبعة إيران قتل مع الحسين علي الأكبر .
21. ابن العماد في شذرات الذهب ج 1 ، ص 66 قتل مع الحسين ولداه علي الأكبر وعبد الله .
22. المحب الطبري في ذخائر العقبى ص 151 استشهد علي الأكبر مع أبيه .
23. الوطواط في غرر الخصائص ص 229 في باب 11 فصل ثاني أول من قتل علي الأكبر .
24. الشبراوي في الإتحاف بحب الإشراف ص 47 أن علياً الأكبر قتل مع أبيه بكربلاء .
25. شيخنا الشهيد الأول من أعيان علمائنا الإمامية في مزار الدروس قال ثم زر علي بن الحسين وهو الأكبر على الأصح .
26. سيد العلماء ميرزا أبو القاسم الطهراني في شرح زيارة عاشوراء ص 354 طبعة بمبي قال الأصح عند المؤرخين أن المقتول في الطف هو الأكبر .
27. ابن إدريس الحلي في مزار « السرائر » بعد أن اختار أن المقتول هو الأكبر قال على هذا علماء التاريخ والنسب منهم البلاذري والنسابة العمري وابن أبي الأزهر في الفاخر وأبو علي ابن همام في الأنوار إلى غيرهم .
28. الشيخ الجليل العلامة ميرزا محمد علي الأوردبادي حكاه عن النفحة العنبرية في النسب ومفتاح النجا في مناقب آل العبا للحارثي البدخشي وتذكرة الأئمة للمولى محمد باقر اللاهيجي وجماعة أخر .
وقد انفرد عن هؤلاء الجمع الكثير شيخنا المفيد في الإرشاد والطبرسي في أعلام الورى فذهبا الى أن المقتول هو الأصغر وأما الأكبر فأمه شاه زنان بنت كسرى يزدجرد .
ولعدم الشاهد عليه وإعراض أهل الفن عنه وهم أعلم بفنهم وأبصر كان الأرجح كون المقتول بالطف هو الأكبر .
وأما ما نص عليه ابن شهر اشوب في المناقب وابن طلحة الشافعي في مطالب السؤال ص 73 وابن الصباغ في الفصول المهمة من أن زين العابدين هو الأوسط فيكون للحسين من الأولاد ثلاثة يقال لهم علي .
فليس فيه مخالفة لما ذكرنا ه من الاتفاق على كون المقتول هو الأكبر وان السجاد أصغر منه فان غاية ما عندهم أن زين العابدين أوسط أولاد الحسين ويتفق مع القول بأنه أصغر من الشهيد بالطف .
لكن إعراض الكثير عن ذكر هؤلاء الأولاد الثلاثة للحسين يبعد هذا الرأي وان صححه الاربلي في كشف الغمة فان الثابت عند أهل النسب والسيرة أن للحسين علياً الأكبر وعلياً الأصغر وهو السجاد وعبد الله الرضيع وجعفر درج في أيام أبيه كما لم يثبت صحيحاًَ من البنات غير فاطمة وسكينة وأما فاطمة العليلة فحكى المجلسي في البحار ج 10 القول به عن بعض مؤلفات أصحابنا ولجهالة المؤلف وعدم تعرض أهل النسب والتراجم والمؤرخين لها كان للتوقف مجال واسع .
صفات الأكبر
تمهيد :
إن من القضايا التي قياساتها معها ارتباط مكارم الأخلاق في توطيد أسس الحضارة وإقامة صرح المدينة وبها يتمكن الحصول على التوئدة وجمام الأنفس والأمن العام والمهابة في النفوس ضد ما في الصرامة وشراسة النفس من موجبات النزاع وبواعث الملاشاة وذهاب المنة وضؤولة القوى فأي امة شاء الله سبحانه لها البوار والهلكة علقت بنفوسها الدعارة حتى القي بأسها بينها وتدهورت إلى هوة الضعة والهوان وفشل الجامعة .
كانت العرب على العهد الجاهلي تعمل على هذه الشاكلة فلم تبرح الحروب الطاحنة تبيد رجالها ووئد البنات يذهب بالإناث والعادات الهمجية تلعب بعقولها حتى هبت عليهم نسائم اللطف الإلهي «بالنبي محمد» صلى الله عليه وآله لإزاحة تلك الأشواك المتكدسة أمام السير البشري المبيدة لكيانهم فجاء صلى الله عليه وآله حاملاًَ للصفات الحميدة متحلياً بالملكات الفاضلة قاصداً تحلية النفوس بمكارم أخلاقه فقال : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق [17].
لا يريد منهم جزاء ولا شكورا يريد أن يجعل حياتهم حياة خالدة لا تبيدها الحقب والأعوام يريد أن يكونوا ذووا نفوس مطمئنة عارفة رشدها من غيها فأفاض عليهم من أخلاقه الكاملة وصفاته الكريمة ما فيه بقاء نسلهم وتكثير عددهم وان لا تدرن عف مآزرهم بأي وصمة ينبزون بها كيلا يدنس شرفهم بالخرافات فلا تغمز لهم قناة ولا تقرع صفات .
وها نحن نذكر من تلك الخصال الحميدة شيئاً يسيراً لنستفيد منها دروساً ضافية في تهذيب النفوس وتحليتها بالملكات الجميلة .
الحلم :
كان النبي صلى الله عليه وآله عند الأذى وإسراف الجاهل فيه ذلك الحليم الصابر اللين الجانب يغضي عن البطش مع القدرة حتى قيل له يوم أحد لما كسرت رباعيته وشج وجهه : لو دعوت عليهم لأبادهم الله ، فانتهر القائل وقال : خوشيت أن أكون لعاناَ ، لم يبعثني ربي إلا داعياً ورحمة : ثم رفع يديه يقول : اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون أني نبي [18].
فجمعت كلمته هذه مراتب الفضل والإحسان حيث لم يقتصر في العفو عنهم بالسكوت حتى دعا لهم بالهداية والتوفيق ثم اعتذر عنهم بالجهل .
ولما تمكن يوم الفتح من قريش جمعهم وهم لا يشكون في استئصال شأفتهم فقال ما تظنون أني فاعل بكم ؟ . قالوا خيراً إنك أخ كريم وابن أخ كريم . فقال لهم أقول كما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم اذهبـوا فأنتم الطلقـاء [19].
ووقف عليه في بعض مغازيه غورث بن الحارث وبيده السيف فقال ما يمنعك مني يا محمد ؟ فقال صلى الله عليه وآله : الله العظيم . فسقط السيف من يده وتناوله النبي وقال له ما يمنعك مني الآن قال العفو عند المقدرة فـخلى سبيله وذهب الرجل إلى أصحابه يقول جئتكـم من عند أحـلم الناس[20].
وفي يوم خبير لما قسم الغنائم قال له بعض أصحابه اعدل يا محمد فقال ويحك لقد خسرت الصفقة إن لم أكن عادلاً وأراد بعض الصحابة قتله فنهاه النبي صلى الله عليه وآله وقال معاذ الله أن يتحدث الناس بأني أقتل أصحابي إني أحب أن أكون سليم الصدر [21].
وكان سعنة من أحبار اليهود أقرض رسول الله وجاء يتقاضاه قبل الأجل وأغلظ في كلامه فأراد من حضر قتله فقال انه لم يحل الأجل ولكن اعطوه دينه وزيدوه عشرين صاعاً لما روعتموه فلما رأى اليهودي هذا من النبي أسلم ولازمه إلى أن استشهد في غزوة تبوك [22].
التواضع :
وكان صلى الله عليه واله أشد الناس تواضعاً حتى خير بين أن يكون عبداً رسولاً متواضعاً أو ملكاً رسولاً ولا ينقصه مما عند ربه تعالى شيئاً فاختار أن يكون عبداً متواضعاً وكان يكره القيام له إذا خرج الى أصحابه ويقول انه من فعل الأعاجم .
وإذا دخل النادي جلس من حيث يدخل ويجلس على الأرض يأكل عليها ويقول إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس ولو دعيت إلى كراع لأجبت ويتفقد أصحابه ويعطي جلساءه نصيبهم ويجلس مختلطاً بهم حتى كأنه احدهم دخل عليه رجل فأرعد من هيبته وبهائه فقال له صلى الله عليه واله : هون عليك إني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش [23].
وأنت تعرف ما في كلمته الثمينة « أنا ابن امرأة » من التخفيض لمقامه العالي ليسكن حال الرجل ولو قال له أنا ابن عبد المطلب لكبر في عينه مقام النبوة أكثر فيزداد اضطرابه وهو خلاف المقصود له .
الكرم :
ويكفينا شاهداً على نائلة الغمر وجوده المتدفق ما يؤثر عنه (صلى الله عليه وآله) « أنا أديب الله وعلي أديبي أمرني ربي بالسخاء والبر ونهاني عن البخل والجفاء وما شيء أبغض إلى الله من البخل وسوء الخلق » .
وفي حديث أمير المؤمنين عليه السلام ” كان النبي أجود الناس كفاً وأكرمهم عشيرة وأصدقهم لهجة وأوفاهم ذمة وألينهم عريكة من رآه هابه ومن خالطه بدون معرفة أحبه وما سئل عن شيء إلا أعطاه “.
أعطى رجلاً من الغنم ما سد بين جبلين فرجع الى قومه يدعوهم الى الإسلام وعرفهم بأن النبي صلى الله عليه وآله يعطي مالا يخشى الفاقة بعده .
ولما قفل من حنين راجعاً جاءت الأعراب يسألونه حتى اضطروه الى شجرة فخطفت رداؤه فوقف صلى الله عليه وآله بغير رداء وقال اعطوني ردائي والله لو كـان لي عدد هذه العضاة نعماً لقسمـتها بينكم ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذاباً ولا جباناً [24].
الشجاعة :
أما الشجاعة والنجدة فكان بالمحل الذي لا يجهل عند مشتبك النصول ومستن النزال فهو من أشد الناس بأساً وأمضاهم عزيمة .
قال أمير المؤمنين عليه السلام : كان المسلمون يوم بدر يلوذون بالنبي كلما اشتدت الحرب وهو أمامهم وفي يوم احد لما كانت الدبرة على المسلمين قاتل صلى الله عليه وآله بما لم يسمع بمثله حتى كسرت رباعيته وأدميت شفتيه ، وفي يوم حنين حين حمي الوطيس واشتد القراع وتداخلهم الرعب وفروا بأجمعهم كأنهم حمر مستنفرة ورسول الله ثابت لا يفر مقبل غير مدبر راكب بغلته الشهباء وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بلجام البغلة والنبي يقول :
أنا النبي لا كـذب أنا ابن عبد المطلب
فما هاب جمعاً ولا أوهنه هزيمة أصحابه وجال في الميدان جولة الأسد الغضبان ومعه علي بن أبي طالب عليه السلام حتى التحق بهما المسلمون وكان الفتح لنبي الله الظافر .
البلاغة :
ولم يجاره أحد في البلاغة والإتيان على مقتضى الحال وهو القائل : أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريش واسترضعت في بني سعد .
نطق بهذه الكلمة الجامعة على حين أن مراجل الأحقاد تغلي عليه وتتربص به أعداؤه الفرص لنقض قوله ومجابهة هتافه فلم يجد أي أحد عليه نقصاً في كلمة شاذة لهج بها أو جملة ركيكة جاء بها كما أخذوا على غيره كمسيلمة وأمثاله فلم يسع العرب يومئذ إلا الخضوع له والحكم بأن ما صدر من إنشائه مثل« الذكر الحكيم » مع حفظ التفاوت الواضح بين كلام الخالق والمخلوق والدواعي متوفرة لنقل ذلك لو كان.
فهو صلى الله عليه وآله أفصح من نطق بالضاد كما وصف نفسه المقدسة وأبلغهم مطابقة لمقتضيات الأحوال .
وأما قوله صلى الله عليه وآله :« بيد اني من قريش » فقد جرى فيه على عادة العرب من الإتيان بالمدح في صورة العيب فلا استثناء أأكد في الإطراء لأنهم يرون انه لو كان في الممدوح عيب فهو هذا والحال انه فضيلة فلا عيب فيه وهذا على حد قول الشاعر :
ولا عيب فيهم غير قبضهم اللوى عند اشتباك الحرب قبض ضنين
ويقول الآخر :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
لقد انفرد الرسول الأقدس بما أوتي من الفصاحة وحسن البيان حتى استطاع أن يخاطب جميع القبائل بلغاتها وعلى مذهبها وكان في خطابه إياهم بلحونهم أحسنهم بياناً وأقومهم منطقاً ولم يذكر التاريخ أن إنساناً لم يمارس الكتابة ولا رحل في طلب معرفة اللغات يستطيع التفوق على أهلها في وضوح الحجة وظهور البرهان مثل رسول الله صلى الله عليه وآله ولا غرو فقد منحه « المهيمن جلت آلاؤه» سلامة الفطرة وصفاء الحس ونفاذ البصيرة ومكنه من الإحاطة باللغات جمعاء على الوجه الأكمل فكان في أدائها قوي العارضة لا تغيب عنه لغة ولا تضطرب له عبارة ولا ينقطع له نظم ولا يشوبه تكلف .
أوتي الحكمة البالغة وهو أمي لم يقرأ كتاباً ولا درس علماً ولا صحب عالماً ولا معلم فكان ما يأتي به من الإتقان وحسن الأداء ما أبهر العقول وأهذل الأدباء.
إني لا أقول انه صلى عليه وآله أمي لا يعرف الكتابة لأنها صفه كمال ويجل مثله أن يفقدها وقد جمع صفات الكمال بأسرها وبذ العالم في المحامد والمحاسن ، لكني أقول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يختلف الى حبر فيستفيد من علمه ولا اجتمع بكاهن ليأخذ كهانته ولا صاحب من يعرف الحساب والكتابة والأخبار ولا نشأ بين أقوام لهم مدارسة في العلوم ليكون عنده من علومهم وهذا دليل واضح على إتيانه بما تعجز عنه العلماء وأهل البلاغة والفصاحة ومن له المعرفة بسائر الفنون وقد تنبه لهذه الظاهرة شيخنا المفيد أعلى الله مقامه فسجلها في كتابه «المقالات» درة ثمينة وحقيقة راهنة يستفيد القراء منها طريق الرشد لقد خبط الباحثون في هذا فلم يأتوا فيه نجعة المرتاد فاثبتوا جهله ـ والعياذ بالله ـ حتى بمعرفة أسمه ففي يوم « الحديبية » حيث لم يتمكن من معرفة اسمه فيمحوه وضع أمير المؤمنين اصبعه عليه فمحاه وعدوا هذا مما تتوقف عليه الدعوة الإلهية وهو جهل منه بمقام نبينا الأقدس الذي بذ الأنبياء في صفات الحمد وآيات الجلال :
أي خـلق الله أعظم مــنه وهـو الغاية التي استقصـاها
قـلب الخافقين ظهراً لبـطن فـرأى ذات احـمد فجتباها
ذات علم بكل شيء كان اللو ح مــا أثـبتته الايـداها
عـلم تـلحظ الـعوالم منه خير من حل ارضها وسماهـا
مـا تـناهت عوالم العلم إلا والـى ذات احـمد منتهاها
وغـدت تنشر الفضائل عنه كل قوم على اختلاف لغاهـا
وتـنادت به فلاسفة الكهان حتى وعى الاصم نداهـا[25]
لقد كان كلامه صلى الله عليه وآله مرتلاً واضحاً عليه مخايل النبوة والمنحة الإلهية وفيه من روعة الفصاحة وعذوبة المنطق وسلامة النظم ما تعجب منه كل من سمعه . حتى قال له بعضهم : لقد طفت في العرب وسمعت فصحاءهم فمن أدبك ؟. فقال صلى الله عليه وآله : لقد أدبني ربي فأحسن تأديبي .
فمن كلامه الذي لا يجارى في حسن إيجازه :
قوله : الناس بزمانهم أشبه ، العقل ألوف مألوف ، العدة عطية ، اليد العليا خير من السفلى ، الخير كثير وقليل فاعله ، إذا أراد الله بعبدٍ خيراً جعل له واعظاً من نفسه ، ثلاث منجيات وثلاث مهلكات فالمنجيات : خشية الله في السر والعـلانية والاقتصاد في الغنى والفقر ، والحكم بالعدل في الرضا والغضب ، والمهلكات : شح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه .
هذه لمعة من كلامه وأنت لا تجده إلا مقتصراً على قدر الكفاية غير مترسل هذراً ولا محجم حصراً يأتي بأقوم دليل وأوضح تعليل كيف لا وهو القائل : أوتيت جوامع الكلم واختصرت لي الحكمة اختصاراً .
لقد امتاز الرسول الأعظم عن سائر الأنبياء والرسل بما أودع المهيمن تعالى فيه من خلال الجمال وصفات الجلالة فكانت أحاديثه وأعماله شاملة لما يحتاجه البشر في معاشهم ومعادهم وأعماله مصدقة لأقواله لا تناقض فيها فهي نبراس لبني الإنسان يستضيئون بها على ممر الدهور ولولا ما جاء به «النبي محمد» صلى الله عليه وآله من الشمائل الإلهية والأعمال الحكيمة لم يفهم العالم قدر النبوة والأنبياء فأحرى بمن ينصح للناس أن يكون صابراً على احتمال الأذى والتجلد له راكباً متن الأهوال في سبيل رأيه وعقيدته واقفاً موقف العدل في أحكامه فلم يغل كما فعلت النصارى ولم يقصر كما صنعت اليهود ولم يمل بأصحابه الى الدنيا ولا رفضها عن آخرها بل أمرهم بالاعتدال فيها فقال : خيركم من لم يترك الدنيا للآخرة ولا الآخرة للدنيا ، وكان يكرم كريم قوم ويوليه أمرهم ويقبل معذرة المعتذر .
روى المؤرخون أن كعب بن زهير كتب إلى أخيه بحير حين أسلم يلومه ويعتب عليه ، ولما علم رسول الله صلى الله عليه وآله بكتابه إلى أخيه أهدر النبي دم كعب فأشفق كعب على نفسه إذ لم يجد أحداً يأويه حتى عشيرته قصد المدينة ونزل على أمير المؤمنين تائبا مما فرط . فطمنه « أبو الحسن » عليه السلام بقبول الرسول الكريم توبته ولما اخبره أمير المؤمنين بما جاء به كعب من الندم والتربة أنعم صلى الله عليه وآله بالقبول . فصاح كعب بن زهير آمنت وأسلمت فسر رسول الله وعفا عنه ونهر من طلب قتله . فوقف زهير أمام النبي صلى الله عليه وآله وأنشده« بانت سعاد» يمدحه فيها ويذكر خوفه الى أن وصل إلى قوله :
إن الرسـول لنور يستضاء به وصارم من سيوف الله مسلول
نبئت أن رسـول الله أوعدني والعفو عـند رسول الله مأمول
فرمى رسول الله صلى الله عليه وآله ببردته تكريماً له ولرفع العادية عنه [26].
ولا عجب من النبي فقد جاء بالرحمة والرأفة وعلم الكتاب وانذر وبشر وبالغ في النصيحة وقام بالهداية وأنقذ من العماية ودعا إلى الفلاح والنجاح وفي ذلك يقول سبحانه } وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلّذِينَ يَتّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَالّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (126) الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِيّ الْأُمّيّ الّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التّورَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلّ لَهُمُ الطّيّبَاتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلاَلَ الّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتّبَعُوا النّورَ الّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُوْلئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (127){[27].
الأكبر يشبه الرسول :
هذه أخلاق صاحب الدعوة الإلهية التي منحه المهيمن سبحانه بها فبذ العالم اجمع وامتاز على الأنبياء والرسل واستكبرها المولى تعالى فوصفها بالعظمة إذ يقول فيها } وَإِنّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ {[28].
ولم ينص المؤرخون على مشابهة آل النبي صلى الله عليه وآله له في جميع الصفات إلا ولده الأكبر .
يحدث السروي عن جابر الأنصاري أن فاطمة الزهراء تشبه أباها في المشية فإنها تميل على الجانب الأيمن مرة وعلى الأيسر أخرى [29].
ورواية الصدوق تشهد بأن الحسن شابه جده في الهيبة والسؤدد والحسين في الجود والشجاعة [30].
وأخرج الحاكم النيسابوري عن علي عليه السلام : أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لجعفر الطيار أشبهت خلقي وخلقي [31].
ويحدث الشيخ الجليل الشيخ فخر الدين الطريحي في المنتخب أن الحسين قال في حق الرضيع : اللهم أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمد صلى الله عليه وآله .
وهذه الشواهد كلها لا تدل على مشابهة العترة الطاهرة للرسول في جميع الصفات الكريمة .
لكن كلمة الحسين الذهبية في حق ولده الأكبر : اللهم اشهد انه برز إليهم أشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقاً برسولك وكنا إذا اشتقنا الى نبيك نظرنا إليه [32].
ترشدنا الى أن فقيد بيت النبوة كان في وقته مرآة الجمال النبوي ومثال كماله الأسمى وأنموذجاً من منطقه البليغ الرائع حتى أن أباه عليه السلام إذا اشتاق الى رؤية ذلك المحيا الابهج الذي يقول فيه حسان مصرحاً بالحقيقة غير مبالغ :
وأحسن منك لم ترقط عيني وأجمــل منك لم تلد النساء
خلقت مبرءاً عن كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء
عطف نظره إليه ، أو أرد سماع ذلك الصوت المبهج الذي ترك نغمات داود خاضعة للطفه أصاخ الى قيله ، أو راقه تجديد العهد بتلكم الخلائق الكريمة التي مدحها الله تعالى بقوله } وَإِنّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ { توجه بكله إليه .
وأنت تعلم أن جامع هذا الخلق الممدوح يشمل ما كان يتحلى به رسول الله من ورع وإخلاص وشجاعة وكرم وحلم وبشاشة في العشرة ودماثة في الخلق ولين الجانب وخشونة في ذات الله وتجنب عن الدنايا والرذائل سواء في ذلك ما حضرته الشريعة أو زجرت عنه الإنسانية الكاملة الى غيرها مما حق له أن يعد عظيماً عند الله تعالى .
وان الآثار كما عرفت وان أفادت مشابهة أفذاذ من البشر لشخصية الرسالة لكن « الأكبر » هو المثل الأعلى لتلك الذات القدسية الكاملة المعصومة عن كل خطاً المنزهة عن أي عيب المحلاة بالجمال القدسي الإلهي فلا يعدوه أن يكون معصوماً كالذوات الطاهرة من الأئمة المعصومين وان احتاج إلى إمام يركن .
وليس ببعيد من فضل الباري جل شأنه أن يوجد ذاتاً كاملة منزهة عن كل عيب مبرأة عن أي شين وعار وان كلمة سيد الشهداء تلفتنا الى تحقق تلك الشخصية القدسية بما حوته من فضائل ومحامد في ولده علي الأكبر عليه السلام .
أضف الى ذلك ما جاء في زيارته المخصوصة في أول رجب من قول الإمام عليه السلام : كما من عليك من قبل وجعلك من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً .
وإذهاب الرجس معنى العصمة فهي متحققة فيه وان لم تكن واجبة كوجوبها في الإمام المطلق الحجة على الخلق .
فضله :
لقد كان علي الأكبر سلام الله عليه أبان شبابه تطفح عليه لوائح العظمة وتلوح على أساريره أنوار الفضيلة ويتدفق من جوانبه الكرم النبوي فكان على شرفه الباذخ ومجده الأثيل وخطره التليد الطارف متلفعاً بكل خصال الخير يرفل على باحة المنعة بأبراد المناقب القشيبة وحلل المآثر الساطعة من معروف طافح ونائل متدفق وضرائب حميدة كثرت النجوم فكثرتها وطاولت الجبال فبذتها وكان فذ وقته في جميع الفضائل آخذاً بأعضاد الشرف والسؤدد وان الواصف مهما تشدق لينحسر بيانه عن بلوغ غاية فضله ولم يجد المخالف إلا البخوع له ومما يرشدنا الى ظهور الفضائل وزهو المآثر عن علي الأكبر في عصره قول مادحه :
لــم تـرعـين نـظرت مـثله مـن مـحتف يـمشي ومن ناعل
يـغـلي نـهيء الـلحم حـتى إذا انـضج لـم يـغل على الأكل [33]
كــان إذا شـبـت لـه نـاره أوقـدهـا بـالشرف القـابل[34]
كـيـما يـراهـا بـائس مـرمل أو فــــرد حـي لـيس بالأهل
لا يـؤثـر الـدنـيا عـلى ديـنه ولا يـبـيع الـحـق بـالـباطل
اعـني ابن ليلى ذا السـدي والندى اعني ابن بنت الحسب الـفاضل [35]
وهذه الصفات التي نضدها الشاعر في مسلكه الذهبي لم تجر مجرى المبالغة في القول أو الخيال الشعري وإنما هي حقائق راهنة كيف لا وقد تفرع «الأكبر» من الدوحة النبوية وكان غصناً من أغصان الخلافة الإلهية وان الفضائل الفواضل بأسرها موروثة له من سلفه الطاهر الهاشمي .
ومما يشهد له أن معاوية مع ما عليه من المباينـة مع الهاشمييـن لم يسعـه إلا الاعتراف أمام قومه باجتماع الفضائل في« علي الأكبر » وانه جدير بالخلافة وقابل للزعامة الدينية يوم قال من حضر عنده من أهل الشام وغيرهم : من أحق بهذا الأمر ؟ . قالوا : أنت . فقال معاوية لا أولى الناس بهذا الأمر علي بن الحسين بن علي جده رسول الله وفيه شجاعة بني هاشم وسخاء بني أمية وزهو ثقيف [36].
نحن لا نشك في أن الأكبر كان جامعاً للفضائل وحائزاً لما هو أربى وأرقى منها وهو العصمة عن المآثم ومنافيات الأخلاق والمروءة ولا يأتي بما يخالف الأولى كيف لا وقد جمع الخلق المحمدي بأتم معانيه وحتى عن الدنس من الآثام بشهادة أبيه الواقف على نفسيات الرجال وكما شهد نص الزيارة المتلوة عند قبره في أول رجب والتي علمها الصادق عليه السلام أبا حمزة الثمالي [37].
وهذه الكلمة الصادرة من معاوية ترشدنا الى أن علياً الأكبر يومئذ معروف عند أهل الشام وغيرهم بأنه الجامع للقداسة الإلهية ومحاسن الأخلاق بأجلى مظاهرها وإلا فلا يعقل أن يشير معاوية بأهلية الخلافة الى رجل غير مرموق عند الناس من جميع الفضائل .
كما أن معاوية لم يشك في أن هاتيك الفضائل مورثة له من سلفه الطاهر فحسب ولكنه تغافل عن ذلك حتى شرك معهم غيرهم لمغازي تختلج في صدره .
أولاً :- أراد أن يزحزح الخلافة عن أبيه الحسين المنصوص عليه من جده النبي صلى الله عليه وآله وأبيه الوصي عليه السلام بإيجاد شخص من هذا البيت يكون مرجع الأمة في النوائب وغياثها المرتجى وفصل القضاء وتبياناً للمشكلات .
وثانياً :- أراد تخفيف وطاًة المنازع في خلافته بحصر شرائط الخلافة في هذه الأمور الثلاثة دون غيرها لفقده أهم ما يشترط في الخليفة على المسلمين من العلم والعصمة والنص .
ثالثاً :- أراد إثبات فضيلة في قومه غير أن البرهنة تعوزه فشرك معه من لا يدافع في فضله وهم الهاشميون وثقيف وأنت على ثقة من خلو البيت الأموي من كل فضيلة ومكرمة منذ نشأة جدهم عبد شمس الذي كفله أخوه هاشم وقد كان مملقاً لا مال له وأمية الذي استعبده عبد المطلب عشر سنين وذلك لما تراهنا على فرسين وجعلا الخطر لمن سبقت فرسه مائة من الإبل وعشرة عبيد وعشر إماء واستعباد سنة وجز الناصية .
فسبق فرس عبد المطلب فأخذ الخطر وقسمه في قريش وأراد جز ناصية فافتدى ذلك باستعباد عشر سنين فكان أمية يعد في حشم عبد المطلب هذه المدة .
وأما حرب بن أمية جد معاوية فأجاره عبد المطلب من ابنه الزبير وكفأ عليه إناء هاشم الذي يهشم فيه الثريد [38] وكان أبو سفيان شحيحاً بخيلاً لا ينفق على زوجته هند فألجأها ذلك الى السرقة من ماله لتنفق على نفسها وولدها .
فأنى يقاسون هؤلاء بهاشم مطعم الحاج وساقيهم وكانت مائدته منصوبة لا ترفع في السراء والضراء وهو أول من سن لقريش الرحلتين الى اليمن والشام وأخذلهم من ملوك الروم وغسان ما يعتصمون به [39].
وقد كانت تجارة قريش لا تعدو نفس مكة وضواحيها وإنما تقدم عليهم الأعاجم بالسلع فيشترونها حتى رحل هاشم الى الشام ونزل على قيصر فأعجبه حسن خلقه وجمال هيئته وكرمه فلم يحجبه وأذن له بالقدوم عليه بالتجارة وكتب أماناً بينهم فارتقت منزلة هاشم بين الناس وسافر في الشتاء الى اليمن وفي الصيف إلى الشام واشترك في تجارته رؤساء القبائل من العرب ومن ملوك اليمن والشام وجعل له معهم ربحاً وساق لهم إبلاً مع إبله وكفاهم مؤنة الأسفار على أن يكفوه أذى الأعداء في طريقه إليهم ومنصرفه فكان في ذلك صلاح عام للفريقين وكان المقيم رابحاً والمسافر محفوظاً فأخصبت قريش بذلك وأتاها الخير من البلاد العالية والسافلة ببركة هاشم وهذا هو الإيلاف المذكور في القرآن المجيد [40] } لاِ يلاَفِ قُرَيشٍ (1) إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشّتَاءِ وَالصّيْفِ (2) {[41].
وأما عبد المطلب فكان يدعى شيبة الحمد لكثرة حمد الناس له لكونه مفزع قريش في النوائب وملجأهم في الأمور فكان شريف قومه وسيدهم كمالاً ورفعة غير مدافع وهو من حلماء قريش وحكمائهم وقد سن لهم أشياء أمضاها له الإسلام .
فإنه حرم نساء الآباء على الأبناء ، ووجد كنزاً أخرج خمسه وتصدق به ، وسن في القتل مئة من الإبل ، ولم يكن للطواف عند قريش عدد فسنه سبعة أشواط ، وقطع يد السارق ، وحرم الخمر والزنا ، وأن لا يطوف بالبيت عريان ، ولا يستقسم بالأزلام ، ولا يؤكل ما ذبح على النصب [42].
وقيل له الفياض لجوده وكثرة نائله حتى أن مائدته يأكل منها الراكب ثم ترفع الى جبل أبي قبيس لتأكل منها الطيور والوحوش [43].
ولمنعته وشرفه كان يفرش له بإزاء الكعبة ولم يفرش لأي أحد من قريش ولا يجالسه على بساط الأبهة والعظمة إلا نبي الرحمة [44].
وكان وصياً من الأوصياء وقارئاً للكتب السماوية ولم يزل يلهج في محافل قريش بظهور نبي من صلبه ثم يوصي ولده وقومه بالإيمان وإتباع أمره [45].
وأما أبو طالب سيد البطحاء وموئل قريش وزعيمهم المقدم بعد أبيه لا يفات رأيه ومن غريب أمره أن قريشاً لما أبصرت العجائب ليلة ولادة أمير المؤمنين عليه السلام جاؤوا بالآلهة الى جبل أبي قبيس يتضرعون إليها ليسكن ما حل بهم فارتج الجبل وسقطت الأصنام فازداد تحيرهم وفزعوا الى أبي طالب لأنه كأبيه عصمة المستجير وسألوه عن ذلك فرفع يديه مبتهلاً الى الله سبحانه يقول : « إلهي أسألك بالمحمدية المحمودة والعلوية العالية والفاطمية البيضاء إلا تفضلت على تهامة بالرأفة والرحمة » .
فسكن ما حل بهم ببركات هذه الأسماء الطيبة الكريمة على الله تعالى وعرفت قريش فضل هذه الأسماء قبل ظهورها فكانت العرب تكتب هذه الأسماء وتدعوا بها في المهمات فيكشف الله تعالى عنها ضراءها ولم تكن تعرف حقيقتها [46].
وما عسى أن يقول القائل فيمن هو أشرف الخليقة وعلة الكائنات المتكون من النور الإلهي القدسي « نبينا محمد » صلى الله عليه وآله وأعطف عليه في الفضائل كلها وصيه المقدم الذي هو منه بمنزلة هارون من موسى «علي بن أبي طالب» عليه السلام ثم ريحانته سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام .
فعلي الأكبر هو المتفرع من هذه الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء والوارث لهذه المآثر النيرة والحائز على جمال النبوة وأبهة الخلافة الإلهية .
ورث الصفات الغر فهي تراثه عـن كل غطريف وشهم أصيد
في بأس حمزة في شجاعة حـيدر بـأبي الحسين وفي مهابة أحـمد
وتـراه في خلق وطيب خلائق وبـليغ نـطق كـالنبي محمـد
ثم لا يخفى على المتأمل في كلمة معاوية : « في شجاعة بني هاشم » غرضه الذي يرمي إليه فانه أراد حمل الناس على اعتقاد الشجاعة في الهاشميين أجمع بإيجاد شخص من أهل البيت حوى هذه الفضيلة الرابية لتنحرف الناس عن تلك العقيدة الراسخة بأن أمير المؤمنين هو الأسد الخادر ولا يتذاكرون مواقفه المشهودة في مغازي الرسول صلى الله عليه وآله .
وهذه الكلمة من معاوية على حد قوله لابن عباس لما مات الحسن عليه السلام : بلغني أن عند أبي محمد عليه السلام أولاداً صغاراً فمن يكفلهم ومعاوية يعتقد كما أن غيره يعتقد أن « الحسين» عليه السلام هو الذي تتفيء بظله محاويج الناس وبالأخص بنو هاشم لكن ابن عباس لم يتقاعس عن الرد عليه حين قال له معاوية : فأنت سيد القوم .
وليس الغرض إلا تضعيف كفة أبي عبد الله عليه السلام بإيجاد رئيس من هذا البيت يكفل الطائفة ويقول بتدبيرهم .
فقال له ابن عباس : إن كبيرنا اليوم الحسين بن علي [47] وكل من كان صغيراً يكبر وان طفلنا لكهل وصغيرنا لكبير [48].
لم يستبد بذلك معاوية بل المتصفح للتاريخ يقف على أن عمر بن الخطاب هو المجد في إكبار رجال من البيت الهاشمي حتى لا يكون نظر الناس مقصوراً على أمير المؤمنين بل تعتقد الأمة أن في هذا البيت غير « أبي الريحانتين » يكون مفزعاً للنوائب فنراه يخرج العباس بن عبد المطلب للاستسقاء [49] مع وجود أمير المؤمنين عليه السلام .
وأي أحد يجاريه في صفات الفضل ومخايل الرفعة حتى أن عمر نفسه لم يزل يهتف غير مرة :
لولا علي لهلك عمر [50].
ويقول :
اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب [51].
ويقول :
لا أبقاني الله بأرض لست فيها يا أبا الحسن [52].
ويقول :
لا أبقاني الله بعدك يا علي [53].
ويقول :
أعوذ بالله من معضلة ولا أبو حسن لها [54].
ويقول :
أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن [55].
ويقول : اللهم لا تنزل بي شديدة إلا وأبو الحسن إلى جنبي [56].
وكان عمر يعلم بأن دعاء أمير المؤمنين أسرع في الإجابة وأقرب الى المهيمن تعالى في استنزال الرحمات الإلهية وأين يقع دعاء العباس وغيره في جنب دعاء سيد الوصيين عليه السلام أخي نبي الرحمة وخاصته .
لكن النابه الفطن يعرف الغاية المتوخاة له من تقديمه العباس وتركه أمير المؤمنين وهو بحضرته لم يغب عن المدينة فان القصد كله ليس إلا تبعيد الناس عن الاستضاءة بذلك النور القدسي وأن لا تحظى الأمة بالزلفى المباركة .
ومن هذه الناحية نشاهده مرة أخرى ينهي عن الإكثار من الرواية عن رسول الله [57] صلى الله عليه وآله فان المغزى من هذا النهي الشديد ما ألمحنا إليه فان الصحابة لما وعوا أحاديث الرسول في موطن بعد موطن وسمعوا هتافه على منبر الدعوة الإلهية في فضل أخيه أمير المؤمنين وولده المعصومين وطبعاً إّذا قدموا البلدان يسألونهم الناس عما سمعوه من النبي صلى الله عليه وآله وما شاهدوه من حالاته مع آله الأقربين فتظهر هنالك الحقائق فتضطرب الحالة وينتقض الأمر فأراد بالنهي عن إكثار الحديث عن رسول الله تبعيد الأمة عن سماع تلك الفضائل والمآثر النيرة ولولا هذا فما البأس في نقل الأحاديث التي حملتها الصحابة لتبصر الأمة طريق رشدها من غيها .
الأكبر مع أبيه الحسين
الأكبر في الطريق :
لقد كان الشهيد « الأكبر» عليه السلام حاوياً صفات الجلال والجمال المحمدي متصلاً بالمبدأ الأعلى متجرداً عن عالم الملك الزائل وقد نزعت نفسه الطاهرة الى صقع القداسة وناهيك من قوة إيمانه ونفوذ بصيرته وتفانيه دون كلم الحق وسلوكه مسلك أبيه الطاهر الى غاياته الكريمة في نهضته المقدسة مع ما كان يشاهده في تلك الثنايا والعقبات من المنذرات بتخاذل القوم وتدابر النفوس وأنهم قادمون على أسنة مشرعة وسيوف مشحوذة ونبال مفوقة وعصبة تريد استئصال شأفة آل الرسول .
لكن إخلاصه في التضحية وتسليمه للمفادات دون إمام الحق لم يثن من عزمه شيئاً ولا أكذى له أملاً وكان فرحاً بقرب الموعد وازوف الغاية وكيف لا يكون كذلك [58]:
وهو ابـن دنـا إلـى أدنـاه فـمـا أجـلـه ومـا أعلاه
فـتى قـريش بـل فتى الوجود ولـيـثها بــل أسد الأسود
وسـيفها الـعادل فـي قضائه بـل هـو سيف الله في مضائه
فـارسها بـل فـارس الإسلام أكــرم بهذا الـبطل الإمام
من درجة العلياء غصنها الطري نـماه بالقدس نـمير الـكوثر
هـو الـنبي فـي معارج العلا لـكن عروجه بـطف كـربلا
نـال من العروج منتهى الشرف ومن رياض القدس أفضل الغرف
يشهد لهذا حديث عقبة بن سمعان قال لما كان السحر من الليلة التي بات الحسين فيها بقصر بني مقاتل أمرنا بالاستقاء ثم ارتحلنا فبينا هو يسير إذ خفق برأسه خفقة وانتبه يقول « إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين » وكرره ثلاثاً .
فأقبل إليه ابنه علي الأكبر وكان على فرس وقال له جعلت فداك مم استرجعت وحمدت الله ؟
فقال الحسين عليه السلام : حفقت برأسي خفقة فعن لي فارس يقول : القوم يسيرون ولمنايا تسري إليهم . فعلمت إنها أنفسنا نعيت إلينا .
قال علي الأكبر عليه السلام : يا أبت ألسنا على الحق ؟
فقال الحسين عليه السلام : بلى والذي إليه مرجع العباد .
قال علي الأكبر عليه السلام : إذاً لا نبالي أن نموت محقين .
فقال الحسين عليه السلام : جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده [59].
الأكبر الى المشرعة :
نعم لما استولى معاوية على الماء بصفين منع أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام لكن قائد العظمة وإمام الهدى علي بن أبي طالب لما استرده من الظالمين بالسيوف الماضية أباحه للعدو والولي .
وهذه غريزة بني هاشم الأكارم وشنشنة بني أمية الاخساء في كل محتشد ومصطدم .
ولقد سقى الحسين الحر وأصحابه وهم زهاء ألف فارس وسقى خيولهم على حين أزمة شديدة وحراجة في الموقف والماء في ذلك الحال أعز ما لديهم إلا أن نفسه القدسية وكرمه النبوي وعنصره الطيب الطاهر لم يدع له منتدحاً عن الفضل والجود بما هو أنفس الذخائر في تلك القفراء الجرداء وهنا تعرف « الإناء ينضح بما فيه » فإن هؤلاء الجمع لم تسمح نفوسهم الشريرة ومنبتهم السيئ بالوفاء على المعروف ولم يغب عنهم فضل سيد الشهداء في ذلك المكان الذي تعز فيه الجرعة الواحدة فحالوا بين الماء الذي تلغ فيه خنازير« السواد» وكلابه وبين فئة المجد وعصبة الخطر من آل محمد صلى الله عليه وآله المضطهدون عندئذ وكانوا أشد العالمين حاجة الى الروي وهم لباب الكون والغاية من الخلق ووسائط الفيض بين المولى سبحانه وبين عبيده .
غير أن الحكمة البالغة لم تدع لهم إلا التسليم للقدر الجاري والرضا بالقضاء الفاصل وواجب السير وراء الغاية الكريمة قطع عنهم الأخذ بالتدابير اللازمة من عاديات ومعاجز فالواقف على حالتهم لم يشاهد إلا قلوباً ولهى وأكباداً حرى وأحشاء كظها الظمأ فمن رضيع يلتظي وطفل يصرخ وحرة تنتحب وحماة الحرائر على ما في أفئدتهم من معتلج الصدى نفوس مقسومة بين الفرات الجاري وبين لهب أكباد العيال الواري فلا الحكمة تساعدهم على خرق ناموس الطبيعة لإرواء تلكم الصبية ولا الوسائل العادية تمكنهم من التسرب الى ذلك النمير الذي حلؤهم عنه .
فكان ورد الردى أهناً عندهم من كل مالذ وطاب كيف وهم أباة الضيم وحماة العقائل والكفاة في كل نازلة .
ولعل من هذا البيان يسعك التعرف لتكلم الشدائد المدلهمة والأزمة الملمة بربات خدور الرسالة ومبلغ حاجتهن الى هذا المباح الجاري الذي منع عنه أعز الخلق وأشرفهم أرومة وسيد شباب أهل الجنة ومبلغ لؤم الأمويين المحلئين أولئك الصفوة عنه في أحرج المواقف ومبلغ الفضل والمثوبة لمن أمكنته الفرص لإغاثة القوم بشربة من ماء علاوة على ما في مطلق السقاية من أجور جزيلة .
نعم تمكن من هذه الفضيلة الرابية ولو في هنيئات معدودة ( علي الأكبر ) عليه السلام .
ففي حديث الصادق عليه السلام أن الحسين أرسله في اليوم الثامن مع ثلاثين فارساً إلى الماء فخاضوا لجج الجيش للهام ولم يثن عزمهم الحرب الدامية والجلاد المنهك مورين هب القتال المبير مقتدحين زنادها المضطرم مجللين ليل لقسطل الحالك جالين ذالك العثير المتراكم بشهب السيوف بعد جهاد متواصل ملكوا المشرعة وملؤا أسقيتهم وعادوا إلى المخيم و( شبيه النبي ) يود إيصال الماء قبل وصوله يسمح أن تسيل نفسه دون قطرة منه .
أنا لا أدري أن حرم الرسالة بأيهما أسر أبعود شمس لنبوة أم بالحياة الجديدة المستردة بتلك الأسقية وهل عينها النظر الى ذلك المحيا الأبهج اقر أو ببلوغ الامنية من وصول الماء إليهن .
ولكن لايفوت القارئ البصير ان هذه الكمية القليلة من الماء ما عسى أن تجدي هؤلاء الجمع الكثير الذين يزيدون على المائتين فسرعان أن عاد إليهم الظما وإلى الله المشتكى .
الأكبر في ليلة عاشوراء :
كانت هذه الليلة أعظم ما مر على آل الرسول لأنها حفت بالمكاره والمحن وآذنت بالخطر وأشعرت بالرهبة أجنت على مكثورين قطعتهم الحالة القاسية عن الوسائل الحيوية كلها وأعوزهم حتى الماء أضف إليه البأساء السائدة في حرم النبوة من رعب شامل وانكسار مؤلم وانقطاع عن المدد ويأس من الانتصار وعطش مرمض وهم مدلهم وشجو مبرح يسمعن مخدرات الإمامة ضوضاء الرجال وصهيل الخيل من جانب وصراخ الصبية من ناحية ويبصرون لوائح النصر لغيرهم والابتهاج بالظفر في مناوئيهم .
إذاً فما حال رجال المجد من بني هاشم بين تلكم الكوارث فهل أبقت لهم مهجة ينهضون بها أو أنفساً تعالج الحياة والحرب من غد .
نعم كانت ضراغمه ( أبي طالب ) والأباة الصفوة من الأصحاب حينئذ في أبهج حالة وأثبت جأش كأنهم نشطوا من عقال بين مباشرة للعبادة وتأهب للقتال وكان لهم دوي كدوي النحل بين قائم وقاعد وراكع وساجد .
وبلغوا من الثبات على الحق وقوة الإيمان فيهم وشدة اليقين انه لم يردعهم عن النهضة في وجه المنكر أي رادع ولا ألم بهم ندم أو فتور ولا دعاهم الى التسلل عن سبط الرسول عليه السلام حتى أن سيد الشهداء أطلق لهم السراح في هذه الليلة وأذن لهم في المفارقة .
فقال لهم هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا وتفرقوا في سوادكم هذا وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي فان القوم إنما يطلبونني ولو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري .
فابتدر أبو الفضل وعلي الأكبر قائلين : ولم نفعل ذلك ؟ لا أبقانا الله بعدك وتابعهما الهاشميون والأصحاب الأكارم فجروا على ذلك أطفالاً وشبانأ وكهولأ ومشيخة وهم على الحالة التي وصفناها .
فكان لعلي الأكبر بين تلكم المصاعب والأهوال الغارب والسنام من منصة المفادات وموقف التضحية والسير الحثيث في سنن الإخلاص والابتهاج بما يرد عليه من السيوف المشحوذة والأسنة المشرعة والنبال المفوقة كل ذلك نصرة للحق ورداً لعادية الضلال .
وفي بعض زيارات علي الأكبر عليه السلام ما يؤكده يقول الإمام الحجة عليه السلام :
أشهد انك من الفرحين بما أتاهم الله من فضله وهذه منزلة كل شهيد فكيف منزلة الحبيب الى الله القريب الى رسول الله زادك الله من فضلة في كل لفظة ولحظة وسكون وحركة مزيداً يغبطه به أهل عليين يا كريم الجد يا كريم الأب يا كريم النفس [60].
الشهادة :
هذا مقام يرتج فيه على الخطيب بيانه ويعصي الكاتب قلمه فلا يدري أي ناحية يصفها وأي جانب يقف عليه فتتجه إليه الأوصاف من شتى النواحي من جهة بسالة الفقيد تلك البسالة المشهودة له ولمعهودة منه أم من جهة تأثير فقده في المجتمع الديني واخص منه الأسرة الهاشمية وبالأخص عقائل بيت الوحي في ذالك المشهد الرهيب يوم فقدن أمل الآمل والمثل الكامل لمثال النبوة فقد كن يحسبنه عماد أخبيتهن وحمى أمنهن ومعقد آمالهن بعد الحسين عليه السلام كما هو الشأن في الخلف الأكبر بعد كبير البيت لا سيما إذا كان جامع مآثر الأسرة من بطولة وشهامة وبسالة وفضائل وفواضل .
فلا عجب منهن إذا اتففن به حين يمم الحرب ولذن به وقلن ارحم غربتنا لأن هذه ترى هتاف الرسالة في وشك الانقطاع عن سمعها وتلك تجد مرآة الجمال النبوي في شفا الانكساف وأخرى تشاهد الخلق المحمدي قد آذن بالرحيل الى من تحسب به ثمال اليتامى وتغيب عنها عصمة الآيامى .
فليس من البدع حينئذ إذا لم ترق لهن عبرة ولا هدأت زفرة وهناك ناحية أخرى أعظم وأشجى وهي تأثر السبط الشهيد بفقد المثل الجامع لكل فضيلة رابية وقد كان الحسين جد عليم بأن من يودعه الى سفر لا رجوع بعده هو المظهر التام للحقيقة المحمدية ومرآة صافية للجمال الإلهي وآية من آيات الجلال الربوبي وانه سيفقد فلذة كبده وشظية من شظايا الإمامة وبلجاً من أنوار الخلافة وستصبح سماء الدين بعده مظلمة ومستوى العظمة موحشاً .
نعم ، شاهد الحسين عليه السلام ولده العزيز عليه يخطو الى الحرب والقتل أمامه واليأس من ورائه فلم يجد ندحة من أن أذال مذاب قلبه من أجفانه «وأرخى عينيه بالدموع» [61] هاتفاً بعمر ابن سعد [62] : مالك قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله [63] فلا بارك الله فيك وسلط عليك من يذبحك على فراشك [64] ورفع شيبته المقدسة نحو السماء مشيراً الى أن المتحلي بهاتيك الصفات الجميلة والمرتدي بإيراد الفضائل هو هذا الذي يحدوه الميثاق الأزلي الى الحتف الصارم.
وقال : اللهم اشهد فقد برز إليهم أشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقاً برسولك محمد صلى الله عليه وآله وكنا إذا اشتقنا الى نبيك نظرنا إلى وجهه [65] اللهم امنعهم بركات الأرض وفرقهم تفريقاً ومزقهم تمزيقاً واجعلهم طرائق قدداً ولا ترض الولاة عنهم أبداً فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا .
وتلا } إِنّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرّيّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) {[66][67].
يريد أن فقيد بيت النبوة من تلك الذرية الطيبة وشلو من أشلاء الإمامة قادم على عصبة لا ترقب فيه إلا ولا ذمة .
وإنما صدر منه هذا الهتاق ليعلم الملأ الديني مدى العصور الواعين كلمته الذهبية مبلغ القوم من القساوة والشقاء ومبلغ ولده من المفاداة والتضحية في سبيل الدين وليعلموا أن ديناً يفتدى بهذا الفداء الثمين آثر شيء للاعتناق به وبطبع الحال يقتص أثره كل من يفقه هذا النداء البليغ ولا يفوت من يدرس هذا التعليم أن شريعة الحق تفتدى بأعز ما في الكون ويستهلك دونها أهم الذخائر.
كما أن فيه إشادة بذكر الفقيد وبيان فضله بتقريب أن الذي يبذل نفسه في النهضة الإلهية لإنقاذ البشر ولهداية الأجيال من بعده هو هذا الإنسان الكامل المتفرع من الدوحة النبوية الذي يجب أن يكون قدوة الأمم وأن تكون أسوتهم به في التضحية والمفاداة وفي كل مأثرة كريمة.
تقدم «علي الأكبر» إلى النزال أو أن شمس النبوة بزغت في أفق الميدان فما راع جماهير الطغام إلا جمال محمد في جلال علي وعصمة فاطمة وبسالة السبط الشهيد ولم يشعروا أهو الأكبر يطرد زمر الأعداء أم أن الوصي جده يزأر في الميدان أم أن الموت الزؤام أنشب فيهم أظفاره أم أن الصواعق تترى في بريق سيفه فيهم بين مندهش وخائر ومكبر وذاكر ومنتكص على عقبيه غير شاعر وصريخة بني هاشم يضرب فيهم قدماً لا يلوي على أحد معرباً عن نسبة تارة وعن مأربه أخرى وعن موقف بأسه طرواً حيث يقول :
أنا علـي بن الحسين بن علي نحن ورب البيـت أولـى بالنبي
تالله لا يحكـم فينا ابن الدعي أضرب بالسيف أحامي عـن أبي
ضرب غلام هاشمي قرشي [68]
فلم يفتأ مغبراً في وجوه القوم يحمل على الميمنة ويعيدها على الميسرة ويغوص في الأوساط فلم يقابله جحفل إلا رده ولا شجاع إلا قتله حتى انهي المقتول بسيفه الى المائة وعشرين بطلا [69] غير مكترث بتكاثر الجيوش عليه شأن سلفه الاطهرين في المآزق الحرجة :
يرمي الكتاب والفلا غصت بها في مثلها مـن بـأسـه المتوقد
فيردهـا قـسراً عـلى أعقابها في بـأس عريس العرينة ملبـد
غير أن كثرة الجراح ونزيف الدماء وشدة الاوام لم تترك له بقية يساور بها الرجال ويباشر الحرب العوان هاهنا اشتد به الشوق الى لقاء ربه فراقه وتوديع أبيه والتزود من محياه .
ويـؤب لـلتوديع وهـو مـكابد لـظما الـفؤاد ولـلحديد المجهد
صـادي الحشا وحسامه ريـان من مــاء الـطلا وغليلة لـم يـبرد
يشكو لخير أب ظماه وما اشـتكى ظمأ الحشا إلا إلى الظامي الصـدي
فـانصاع يـؤثره عـليه بـريـقه لـو كـان ثـمة ريــقة لم يجمد
كـل حـشاشته كصالية الغضـى ولـسـانه ظـمئاً كـشقة مـبرد
هنالك طفق يشكوه الحالة وما انتابه من مضاضة الحرب والضرب وما تلظت به حشاشته من صالية الحر واحتدام العطش فقال : العطش قتلني وثقل الحديد أجهدني فهل الى شربة ماء أتقوى بها على الأعداء [70].
شكوى لم يقصد بها إلا بثها وانه قد ناء بما وجب عليه على قدر وسعه وطاقته وانه لم يفتر عن ذلك حتى بلغ منه اللغوب على حين انه لا سبيل الى ماء يقويه على مكافحة الأعداء فالاستفهام إنكاري قصد به المعذرة عن القيام بمثل ما تقدم منه في المستقبل.
أو أنه أراد من أبيه الإمام الشهيد عليه السلام إيجاد الماء على سبيل الإعجاز المقدور لكن الحسين عليه السلام أبي إلا أن يمضي ولده على حال أربى في نيل الجزاء وآثر عند الجليل عز شأنه يوم الخصام وهو القتل مظلوماً ممنوعاً من الورود فطمنه بوصوله الغاية في الخدمة وبشره بأزوف الشروع بدور الجزاء ومفتتح ذالك أن جده المنقذ الأكبر صلى الله عليه واله سيسقيه بكأس الروية فلا يظمـأ بعدها أبداً [71] ثم أعطاه خاتمه ليضه في فمه [72] فعرج (علي الأكبر) إلى الميدان وملؤ جوانحه بهجة ومسرة بتلك البشارة الصادقة وهو لا يدري حين يقاتل أهو يقابل البيض الصفاح أم الخود الرداح وهل يناطح المقانب أم يبشر بنيل الرغائب فزحف فيهم زحفه العلوي السابق حتى أكمل المائتين من القتلى[73].
ومـذ انثنى يلقى الكريهة باسماً والـموت مـنه بمسمع وبمشهد
لف الوغى واجالها جول الرحى بـمثقف مـن بـأسه ومـهند
حتى إذا ما غاص في أوساطهـم بـمطهم قـب الايـاطل أجود
عـثر الزمان به فغودر جسمه نـهب القواظب والـقنا المتقصد
هنالك أتيحت له الامنية باقتراب المنية حين علا هامته المطهرة [74] سيف مرة بن منقذ العبدي [75] ثم طعنه في ظهره [76]. فاعتنق فرسه واحتمله الى معسكر الأعداء فقطعوا جثمان النبوة بأسيافهم إرباً [77].
ومـحا الـردى يا قاتل الله الردى مـنه هـلال دجـى وغرة فرقد
يـانجعة الـحيين هـاشم والنـدى وحـمى الـذمارين العلا والسؤدد
كيف ارتقت همم الردى لك صعدة مـطرورة الـكعبين لـم تــتأود
أفـديـه مـن ريـحانة ريـانة جـفت بـحر ظـما وحـر مهند
بـكر الذبول على نضارة غـصنه ان الـذبول لآفـة الغصن النـدي
لـله بـدر مـن مـراق نـجيعه مزج الـحسام لـجينه بالعسجـد
مـاء الـصبا ودم الوريد تـجاريا فيه ولاهـب قـلبه لـم يـخمد
لم انسه متعمماً بشبا الصــــبا بيــــن الكماة وبالأسنة مرتدي
ولم يفته في آخر نفس لفظه أن ودع أباه بالسلام عليه تحت مشتبك النصول منادياً إياه ومبشراً بانجاز الوعد بقوله هذا جدي يقرأ عليه السلام [78] وقد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً وهو يقول أن لك كأساً مذخورة [79]وعندئذ لم يملك نفسه دون أن يتجه الى فلذة كبده هبوب الريح عساه يقف على بقية منه يتمتع بالنظر إليه ويتحظى بلفظه الدري فرأى الظن مخفقاً والأمل لم يقترن بالانجاز ووجد شلو الرسالة منبوذا على الصعيد تنتاشه المرهفات وتطعمه أسنة الرماح فألقاه الوجد المحتدم ولوعته المعتلجة على بضعته المتلائية واضعاً خده على خده [80] يستاف منه عبق النبوة ويشم ريحانة العصمة حيث فاته التوديع وبه رمق الحياة وقال : على الدنيا بعدك العفا ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول [81]. متأثراً بفقده تارة وبعدم تمكنه من إمداد مثله أخرى فلم تزل الزفرات منه إلى صعد والعبرات في صبب يتجرعها غصصاً طوراً ويلفظ ما في نفسه من لوعة أخرى فيقول : يعز على جد ك وعمك وأبيك ان تدعوهم فلا يجيبوك وتستغيث بهم فلا يغيثوك [82]. ثم أخذ بكفه من دمه الطاهر ورمى به إلى السماء فلم يسقط منه قطرة [83].
هذا والوحدة العنصرية لاتسيغ له مفارقته ومهمة الحرب تحدوه الى النهوض فلم يزل بين جاذبة ودافعة حتى أنهضه واجب الأخذ بالتراة لكن بلا مهجة تقويه على الكفاح ولنفسه القدسية نزوع إلى الالتحاق بولده المحبوب وقد اسود الفضاء بعينه وأكدت الآمال .
وحيث لم يجد الحسين من نفسه قوة بحمل ذلك المتقطع من كبده المتشظي من روحه المنفصل من حياته أمر فتيانه بحمل شلوه المبضع الى الفسطاط الذي أعده للقتلى من آله وصحبه [84].
فجاء به الفتية وحرائر بيت الوحي ينظرن إليه محمولاً قد جللته الدماء بمطارف من العز حمراء وقد وزع جثمانه الضرب والطعن فاستقبلنه بصدور دامية وشعور منشورة وعولة تصك سمع الملكوت وأمامهن عقيلة بني هاشم « زينب الرزايا » صارخة نادبة فألقت بنفسها عليه تضم إليها جمام نفسها الداهب وحمى خدرها المنثلم وعماد بيتها المنهدم[85].
لهفي على عقائل الرسالــة لـما رأيـنه بتـلك الحالة
عـلا نـحيبهن والصيـاح فاندهش العقـول والأرواح
ناحت على كفيلها العـقائل والـمكرمات الغر والفضائل
لـهفي لها إذ تندب الرسولا فـكادت الجبـال ان تزولا
لـهفي لها مذ فقدت عميدها وهـل يـوازي احد فقيدها
ومـن يـوازي شرفاً وجاهاً مـثال يـاسين شـبيه طاها
يـا سـاعد الله أباه مذخبا نيره«الأكبر» فـي ظل الضبا
رأى الخليل في منى الطفوف ذبـيحة ضـريبة الـسيوف
الزيارة :
غير خاف أن لنشر مآثر الرجال دخلاً في تقديم خطتهم واقتصاص أثرهم وإكبار مقامهم ومهما كان الإنسان أقرب الى أوج العظمة يكون مبدؤه أدعا للتمسك به وغايته ألزم في التفاني لأجلها وأحكم في الأفئدة وأمزج في النفوس .
ومن ذلك تأبين رجالات كل امة نظماً ونثراُ ومدحاً ورثاءً وعقد الحفلات لتذكر مزاياهم حتى كأن الفقيد ماثل في القلوب بفضله شاخص نصب أعين السامعين بنفسه فلا يتناسى منه العهد مهما تليت مآثره وتذاكروا في أمره .
وان في تأليف ألفاظ الزيارة المتلوة في مراقد الأنبياء وأئمة الدين عليهم السلام وفي مشاهد الأولياء توطيداً لنجاح دعوتهم ونشراً لتعليمهم وأنها تأخذ بالعامل إلى أرقى سنام للإنسانية وتسلك به الى ألحب طريق للقاء « الحق تعالى شأنه » الزيارة وان كانت حقيقتها الحضور عند المزور والسلام عليه بأي لفظ كان ولا دخل للألفاظ الخاصة في حقيقتها كما يشهد به خبر ابن ظبيان عن الصادق عليه السلام وفيه : إذا أتيت الفرات فاغتسل والبس ثويقك ثم أئت البر وقل : صلى عليك يا أبا عبد الله فقد تمت زيارتك [86].
وفي حديثه الآخر عن الصادق عليه السلام : جعلت فداك إني كثيراً ما أذكر الحسين عليه السلام فأي شيء أقول قال : قل السلام عليك ياأبا عبد الله تعيد ذلك ثلاثاً فان السلام يصل إليه من قريب ومن بعيد [87].
لكن مما لا ريب فيه أن مساعي الرجال مختلفة ومقادير أعمالهم متفاوتة ولا شك أن الأنبياء والأوصياء أرقى البشر في فضلهم الظاهر وورعهم الموصوف وعلومهم الجمة ومعاجزهم الخارجة عن حد الإحصاء فيكون المثول حول مراقدهم المقدسة بداعي الزلفى الى المهيمن سبحانه مزيداً لهاتيك العقيدة ورسوخها .
والخطابات الخاصة ادخل في تحقيق تلك الغاية من غيرها وحيث ان الأئمة المعصومين عليهم السلام أدلاء على الخير وأعرف الأمة بنفسيات الرجال وما يحق لهم من إكبار وتجليل لأن الفضل لا يعرفه إلا أهله .
كان اللازم التمسك بأقوالهم الخاصة الحافلة بما يناسب مقام المزور وفضله وأعماله وما افتا به من فوادح وكوارث بما لا يعرفها غيرهم .
ومن هنا ورد النهي عن اختراع الكلام في الدعاء والسر فيه أن مثول العبد أمام المولى سبحانه والتوسل إليه بإنجاح مآربه بلوغ غاياته يستدعي الخطاب معه بما يليق بذلك المقام الأقدس والأئمة من آل الرسول هم الواقفون على أسرار ذلك المحل الأرفع العالمون بما يحق ويليق به .
وحديث الصادق عليه السلام مع عبد الرحمن القصير يشهد له قال له عبد الرحمن : إني اخترعت دعاء فقال عليه السلام دعني من اختراعك فإذا نزل بك أمر فقل وذكر الدعاء .
وقال الإمام الرضا عليه السلام لمقاتل : إذا نزل بك أمر فالبس أنظف ثيابك وقل وذكر الدعاء [88].
وجاء رجل الى الصادق عليه السلام وسأله أن يعلمه دعاء لمهمات فقال عليه السلام قل كما أقول وأن كان الله مقلب القلوب والأبصار .
والنهي عن الإتيان بهذه الزيادة في الدعاء يدلنا على معرفة الإمام بما في التأليف الخاص من السبب الموجب لاستنزال الرحمات الإلهية بحيث يكون الزائد على تأليفه موجباً للخلل في تحقق الغاية المتوخاة .
على أن المقتدي بأقوال أهل البيت عليهم السلام والعامل بالمأثور من خطابهم لا يفوت الأجر الزائد على ما قرر لأصل الزيارة كما يشهد به حديث جابر الجعفي عن الصادق قال إذا وقفت على باب الحائر فقل هذه الكلمات فان لك بكل كلمة كفلاً من رحمة الله ثم ذكر الزيارة [89].
وإلى القارئ الكريم نرفع ما ورد عن الأئمة الهداة من الألفاظ الخاصة في زيارة علي الأكبر فان منها نعرف مقامه عندهم الذي استحق به إفراده عن الشهداء بالسلام عليه وحده مع أن الأئمة ذكروا لهم أجمع زيارة تعمهم .
الأولى : ما رواه الشيخ الجليل ابن قولويه في كامل الزيارة ص 239 بسند صحيح عن أبي حمزة الثمالي أن الصادق عليه السلام علمه كيف يزور الحسين عليه السلام إلى أن قال له : ثم صر إلى علي بن الحسين فهو عند رجلي الحسين فإذا وقفت عليه فقل :
السلام عليك يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته وابن خليفة رسول الله وابن بنت رسول الله ورحمة الله وبركاته مضاعفة كلما طلعت الشمس أو غربت السلام عليك ورحمة الله وبركاته .
بأبي أنت وأمي من مذبوح ومقتول من غير جرم بأبي أنت وأمي دمك المرتقى به إلى حبيب الله بأبي أنت وأمي من مقدم بين يدي أبيك يحتسبك ويبكي عليك محترقاً عليك قلبه يرفع دمك الى عنان السماء لا يرجع منه قطرة ولا تسكن عليك من أبيك زفرة حين ودعك للفراق فمكانكما عند الله مع آبائك الماضين ومع أمهاتك في الجنان منعمين ابرأ إلى الله ممن قتلك وذبحك .
ثم انكب على القبر وضع يدك عليه وقل :
سلام الله وسلام ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين وعباده الصالحين عليك يا مولاي وابن مولاي ورحمة الله وبركاته .
صلى الله عليك وعلى عترتك وأهل بيتك وآبائك وأبنائك وأمهاتك الأخيار الأبرار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
السلام عليك يا ابن رسول الله وابن أمير المؤمنين وابن الحسين بن علي ورحمة اله وبركاته .
لعن الله قاتلك ولعن الله من استخف بحقكم وقتلكم ولعن من بقي منهم ومن مضى نفسي فداؤكم ولمضجعكم صلى الله عليكم وسلم تسليماً كثيراً.
ثم ضع خدك على القبر وقل :
صلى الله عليك يا أبا الحسن (ثلاثاً).
بأبي أنت وأمي أتيتك زائراً وافداً عائذاً مما جنيت على نفسي واحتطبت على ظهري أسأل اله وليك ووليي أن يجعل حظي من زيارتك عتق رقبتي من النار .
الثانية : رواها الشيخ الطوسي في التهذيب عن جماعة منهم يونس بن ظبيان أن الصادق قال في زيارة الحسين ثم تأتي الى علي بن الحسين وهو عند رجلي الحسين فتقول :
السلام عليك يا ابن رسول الله السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين السلام عليك يا ابن الحسن[90] والحسين السلام عليك يا ابن خديجة الكبرى وفاطمة الزهراء صلى الله عليك (ثلاثاً).
لعن الله من قتلك (ثلاثاً).
أنا أبرأ الى الله منهم (ثلاثاً).
الثالثة : رواها الشيخ الكليني في الكافي عن يوسف الكناني عن الصادق عليه السلام قال :
وتحول عند رأس علي بن الحسين فتقول :
سلام الله وسلام ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين عليك يا مولاي وابن مولاي ورحمة الله وبركاته صلى الله عليك وعلى أهل بيتك وعترة آبائك الأخيار الأبرار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
الرابعة : في مصباح المتهجد للشيخ الطوسي أن صفوان الجمال استأذن الصادق عليه السلام في زيارة الحسين وسأله أن يعلمه ما يقول الى أن قال له ثم صر إلى رجلي الحسين وقف عند رأس علي بن الحسين وقل :
السلام عليك يا ابن رسول الله السلام عليك يا ابن نبي الله السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين السلام عليك يا ابن الحسين الشهيد السلام عليك يا ابن الشهيد وابن الشهيد السلام عليك أيها المظلوم وابن المظلوم لعن الله أمة قتلتك ولعن الله أمة ظلمتك ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به .
ثم انكب على القبر وقبله وقل :
السلام عليك يا ولي الله وابن وليه لقد عظمت المصيبة وجلت الرزية بك علينا وعلى جميع المسلمين فلعن الله امة قتلتك وأبرأ إلى الله وإليك منهم .
الخامسة : البحار عن المزار الكبير أن صفوان الجمال علمه أبو عبد الله الصادق عليه السلام كيفية زيارة الحسين وفيها قال : ثم تأتي الى قبر علي بن الحسين فتقبله وتقول :
السلام عليك يا ولي الله وابن وليه السلام عليك يا حبيب الله وابن حبيبه السلام عليك يا خليل الله وابن خليله عشت سعيداً ومت فقيداً وقتلت مظلوماً يا شهيد ابن الشهيد عليك من الله السلام .
السادسة : في مصباح الزائر لابن طاووس قال : وتأتي إلى رجلي الحسين فتقف عند علي بن الحسين وتقول :
السلام عليك أيها الصديق الطيب الطاهر والزكي الحبيب المقرب وابن ريحانة رسول الله السلام عليك من شهيد محتسب ورحمة الله وبركاته ما أكرم مقامك واشرف منقلبك اشهد لقد شكر الله سعيك وأجزل ثوابك وألحقك بالذروة العالية حيث الشرف كل الشرف وفي الغرف السامية في الجنة فوق الغرف كما من عليك من قبل وجعلك من أهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .
والله ما ضرك القوم بما نالوا منك ومن أبيك الطاهر صلوات الله عليكما ولا ثلموا منزلتكما من البيت المقدس ولا وهنتما بما أصابكما في سبيل الله ولا ملتما الى العيش في الدنيا ولا كرهتما مباشرة المنايا إذ كنتما قد رأيتما منازلكما في الجنة قبل أن تصيرا إليها فاخترتماها قبل أن تنتقلا إليها فسررتم وسررتم فهنيئاً لكم يا بني عبد المطلب التمسك بالنبي وبالسيد السابق حمزة بن عبد المطلب إذ قدمتما عليه وقد لحقتما بأوثق عروة وأقوى سبب صلى الله عليك أيها الصديق الشهيد المكرم والسيد المقدم الذي عاش سعيداً ومات شهيداً وذهب فقيداً فلم تتمتع من الدنيا إلا بالعمل الصالح ولم تتشاغل إلا بالمتجر الرابح .
أشهد انك من الفرحين بما أتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وتلك منزلة كل شهيد فكيف منزلة الحبيب الى الله القريب الى رسول الله صلى الله عليه وآله .
زادك الله من فضله في كل لفظة ولحظة وسكون وحركة مزيداً يغبطه ويسعد به أهل عليين يا كريم الأب يا كريم الجد الى أن يتناهى رفعكم الله من أن يقال رحمكم الله وافتقر الى ذلك غيركم من كل من خلق الله .
صلوات الله عليكم ورضوانه ورحمة الله وبركاته فاشفع لي أيها السيد الطاهر الى ربك في حط الأثقال عن ظهري وتخفيفها عني وارحم ذلي وخضوعي لك وللسيد أبيك صلى الله عليكما.
ثم انكب على القبر وقل :
زاد الله في شرفكم في الآخرة كما شرفكم في الدنيا وأسعدكم أسعد بكم واشهد أنكم أعلام الدين ونجوم العالمين .
السابعة : في مصباح الزائر في زيارة أول رجب وليلته وليلة النصف من شعبان تقف على قبر علي بن الحسين وتقول :
السلام على أول قتيل من نسل خير سليل من سلالة إبراهيم الخليل صلى الله عليك وعلى أبيك إذ قال فيك قتل الله قوماً قتلوك يا بني ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول على الدنيا بعدك العفا .
أشهد انك ابن حجة الله وابن أمينه حكم الله لك على قاتليك وأصلاهم جهنم وساءت مصيرا وجعلنا يوم القيامة من ملاقيك ومرافقيك ومرافقي جدك وأبيك وعمك وأخيك وأمك المظلومة الطاهرة المطهرة .
أبرأ الى الله ممن قتلك وقاتلك واسأل الله من مرافقتكم في دار الخلود والسلام عليك ورحمة الله وبركاته [91].
الثامنة : عن مزار الشيخ المفيد في النصف من رجب توجه إلى علي بن الحسين وقل :
السلام عليك يا مولاي وابن مولاي لعن الله قاتليك ولعن الله ظالميك اني أتقرب الى الله بزيارتكم وبمحبتكم وابرأ الى الله من أعدائكم السلام عليك يا مولاي ورحمة الله وبركاته .
التاسعة : عن الشيخ المفيد وابن طاووس والشهيد الأول في عيدي الفطر والأضحى تقف على علي بن الحسين وتقول :
السلام عليك يا ابن رسول الله السلام عليك يا ابن خاتم النبيين السلام عليك يا ابن فاطمة سيدة نساء العالمين السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين السلام عليك أيها المظلوم الشهيد بأبي أنت و أمي عشت سعيداً وقتلت مظلوماً شهيداً .
العاشرة : قالوا جميعاً في عرفة تقف عند علي بن الحسين وتقول :
السلام عليك يا ابن رسول الله السلام عليك يا ابن نبي الله السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين السلام عليك يا ابن الحسين الشهيد السلام عليك أيها الشهيد بن الشهيد السلام عليك أيها المظلوم لعن الله امة قتلتك ولعن الله امة ظلمتك ولعن الله امة سمعت بذلك فرضيت به السلام عليك يا ولي الله وابن وليه لقد عظمت الرزية وجلت المصيبة بك علينا وإليك منهم في الدنيا والآخرة .
هذا ما وقفنا عليه من الألفاظ الخاصة الواردة عن الأئمة الهداة عليهم السلام في زيارة« علي الأكبر » والمتأمل في مضامينها الجليلة يتجلى له منزلة الشهيد الأكبر السامية التي لا يحلق الى تصويرها طائر الفكر وانه امتاز عن أولئك الصفوة سادة الشهداء بمزايا تؤهله للإمامة لولا الحكم الإلهي الأبدي بحصر خلفاء الرسول الأعظم في الإثني عشر النازلة بأسمائهم وألقابهم وكناهم وأسماء آبائهم صحف مكرمة من رب العالمين .
ولا بدع في أن يوجد المهيمن سبحانه وتعالى ذواتاً قدسية منزهة عن شوائب هذه العوارض الدنيوية وقد اتصلت نفوسهم بالمبدأ الأعلى فلا يرون كياناً يجلب النظر إلا ذات المولى جل شأنه وليس هناك ما يوجب اللفتة إليه عدى الجمال الإلهي القدسي.
صلاة الزيارة :
ينص الحديث عن الإمام الصادق الوارد في زيارة الحسين عليه السلام المشتملة على المقدمات والمقارنات الكثيرة على رجحان صلاة الزيارة فان فيه :
فإذا فرغت فصل ما أحببت إلا أن ركعتي الزيارة لابد منهما عند كل قبر [92].
فأثبت بعمومه رجحان صلاة الزيارة عند كل مزور وليس هناك مخصص يدفع العموم وخلو بعض الزيارات الواردة في غير المعصومين من التعرض لركعتي الزيارة لا ينهض لمصادمة العموم فالعام محكم في موارده حتى يأتي المخصص المخرج كما أن التنصيص في زيارة المعصومين لا يدل على عدم المشروعية في غيرهم .
فما حكي عن بعض معاصري شيخنا المجلسي من منع صلاة الزيارة لغير المعصومين مستدلاً بخلو الأخبار الواردة في زيارتهم عنها في غير محلة.
أولاً : أن ذلك العموم يشهد بخلافه
وثانياً : أن المحكي عن مزار الشيخ المفيد [93] ومزار ابن المشهدي وورد الأمر بها في زيارة العباس وينص ابن طاووس في مصباح الزائر على رجحانهما بالنسبة الى العباس وفي آخر مصباح الزائر يقول أن ما وقع اختياره عليه في كتابه قد وصل على الوجه الذي اعتمد عليه من جهة الرواية .
ويقول ابن المشهدي في أول مزاره ان ما أودعته في الكتاب هو ما حصل لدي من الروايات الواردة عن أئمة الهدى عليهم السلام .
وحينئذ فلا يسع كل أحد نسبة ما أودعوه في كتبهم الى محض آرائهم من دون تخريج عن أهل البيت .
ومن ذلك ما ذكره مؤلف المزار الكبير وشيخنا الشهيد الأول في المزار من رجحان صلاة الزيارة لمسلم بن عقيل وهاني بن عروة فما ذكره العلماء في كتبهم من استحباب ركعتي الزيارة لا فذاذ من رجالات أهل بيت العصمة لا ينبغي الوقفة فيه وان لم نعثر على نفس الرواية الحاكمة به فلعله كان واصلاً إليهم من طريق جهلناه ولو بالمشافهة من إمام العصر عجل الله فرجه وجهلنا بالطريق لا يكون موجباً لعدم الرجحان .
وان كلمة شيخ المحققين الشيخ أسد الله الكاظمي في«كشف القناع» ص 230 تفيدنا بصيرة في تأكيده وحاصل ما ذكره : أن من الجائز أن يحصل لبعض حملة أسرار الأئمة العلم بقول الإمام الغائب عن الأبصار أما بنقل احد سفرائه سراً على وجه يفيد اليقين وأما بتوقيعه ومكاتبته كذلك وأما بالسماع منه عليه السلام مشافهة على وجه لا ينافي الرؤية في زمن الغيبة فلا يسعه التصريح بما حصله من الحكم على هذه الوجوه وان لم يوجد في الأدلة ما يدل عليه ولم يكن هذا المشافه مخصوصاً بالحكم ولا ممنوعاً من إظهاره لسائر الناس فلا مندوحة حينئذ من إظهار هذا الذي اطلع عليه بصورة الاتفاق عليه والتسالم .
وهذا هو الأصل في كثير من الزيارات والآداب والأعمال المعروفة التي تداولت بين الإمامية ولا مستند مظاهر من أخبارهم ولا من كتب قدمائهم الواقفين على آثار الأئمة وأسرارهم .
ومن ذلك ما رواه والد العلامة الحلي والسيد ابن طاووس عن السيد الكبير العابد رضي الدين محمد بن محمد الأزدي الحسيني المجاور بالمشهد الغروي الأقدس عن صاحب الزمان أرواحنا له الفداء في طريق الاستخارة بالسبحة وكما سمعه منه صلوات الله عليه ابن طاووس في السرداب من الدعاء لشيعته وكدعاء العلوي المصري المعروف الذي علمه محمد بن علي العلوي الحسني المصري في حائر الحسين وقد أتاه في خمس ليال حتى تعلمه .
وهذا هو الأصل في كثير من الأقوال المجهولة القائل فيكون المطلع على قول الإمام لما وجده مخالفاً لما عليه الإمامية أو معظمهم ولم يتمكن من إظهاره على وجهه وخشي أن يضيع الحق جعله قولاً من أقوالهم واعتمد عليه وأفتى به من دون تصريح بدليله.
فتحصل من كلامه أن العلماء لم يودعوا في كتبهم حكماً من الأحكام من دون يعثروا عليه عن أئمتهم .
وهذا كله كاف في دعوى رجحان صلاة ركعتين بعد الفراغ من زيارة علي الأكبر الذي نحن بصدد إثباته على أن الشيخ الجليل الكفعمي روى في البلد الأمين عن الإمام الصادق عليه السلام زيارة الحسين وفيه يقول :
ثم زر علي بن الحسين والشهداء والعباس وتصلي ركعات الزيارة ثمان [94].
وإنما تتحقق الثمان ركعات بإضافة الركعتين لزيارة الحسين ومؤلف المزار الكبير بعد أن روى عن الصادق زيارة الحسين وصلاة ركعتين لها .
قال ثم زر علي بن الحسين وصلي ركعتين وأكثر بعدهما من الصلاة علي النبي محمد وآله وتسأل حاجتك [95].
وفي هذا مقنع لمن يتطلب النص بالخصوص على رجحان صلاة الزيارة لعلي الأكبر وفقنا الله للقيام بهذه الوظائف المقربة من المولى الجليل عز شأنه .
—————-
الهوامش :
[1] الإصابة ج 3 ص 412 .
[2] المصدر السابق ج 4 ص 178 .
[3] المصدر السابق ج 4 ص 249 .
[4] شرح النهج الحديدي ج 3 ص 359 .
[5] سر السلسة العلوية لأبي نصر البخاري في النسب .
[6] سورة الزخرف ، الآية : 31 .
[7] سورة المدثر : الآية 11 .
[8] الإصابة ج 4 ص 130 .
[9] الإصابة ج2 ص 478 .
[10] الإصابة ج 4 ص 316 .
[11] الإصابة ج 4 ص 178 .
[12] أنيس الشيعة للحجة السيد محمد عبد الحسين بن محمد عبد الهادي الجعفري الطياري الهندي الكربلائي ألفه باسم السلطان فتح علي شاه سنة 1241 هـ ، قال الحجة الشيخ آغا بزرك في الذريعة ج 2 ص 458 رأيت الكتاب في النجف عند السيد آغا التستري وهو بالفارسية
[13] الحدائق الوردية مخطوط .
[14] كامل الزيارة لابن قولويه ص 240 .
[15] الكافي بهامش مرآة العقول ج 4 ص 465 .
[16] الطبري في المنتخب من الذيل ملحق بجزء 12 ص ، 39 وابن كثير في البداية ج 9 ، ص 103 والدميري في حياة الحيوان بمادة البغل .
[17] الفيض القدير ج 2 ص 572 .
[18] ابن دحلان في السيرة النبوية بهامش السيرة الحلبية ج 3 ص 267 .
[19] السيرة النبوية بهامش السيرة الحلبية ج 3 ص 273 .
[20] مسند أحمد من حديث جابر .
[21] إحياء العلوم ج 2 ص 336 .
[22] الروض الآنف ج 1 ص 142.
[23] إحياء العلوم للغزالي ج 2 ص 338 .
[24] إحياء العلوم ج 2 ص 337 .
[25] الشيخ محمد كاظم الازري البغدادي رحمه الله .
[26] في السيرة الحلبية ج 3 ص 242 في باب ما يتعلق بالوفود أن معاوية دفع لكعب عشرة آلاف دينار فلم يبعها كعب حرصاً على هدية النبي صلى الله عليه وآله ولكن معاوية اشتراها من ورثة كعب بعشرين ألف دينار وتوارثها خلفاء بني أمية والعباس وأول من اشتراها من بني العباس السفاح بثلاثمائة دينار فكانوا يطرحونها على أكتافهم جلوساً وركوباً وكانت على المقتدر حين قتل فتلوثت بالدم وفي هذا يقول الشريف الرضي :
ردوا تراث محمد ردوا ليس القضيب لكم ولا البرد
وحكى عن ابن كثير أن التتر أخذوها بعد فتح بغداد .
[27] سورة الأعراف ، الآيات : 156 ـ 157
[28] سورة القلم ، الآية : 4 .
[29] المناقب ج 2 ص 112 إيران .
[30] الخصال ج 1 ص 39 .
[31] مستدرك الحاكم ج 3 ص 211 .
[32] اللهوف للسيد ابن طاووس ص 63 صيدا .
[33] يغلي : الأولى بمعنى يفير ، والنهيء : كامير اللحم الني ويغل : الثانية ضد يرخص .
[34] الشرف : الموضع العالي ، والقابل : بمعنى المقبل .
[35] السدى : هو الندى أول الليل ، والندى : هو النائل آخر الليل .
[36] مقاتل الطالبيين ص 31 إيران .
[37] كامل الزيارة لابن قولويه .
[38] شرح لابن أبي الحديد ج 3 ص 466 .
[39] تاريخ الطبري ج 2 ص 180 .
[40] شرح النهج لابن أبي الحديد ج 3 ص 454 و 458 .
[41] سورة قريش ، الآية : 1-2
[42] الخصال للصدوق ج 1 ص 312 . والسيرة الحلبية ج 1 ص 5 .
[43] النبراس في تاريخ بني العباس ص 165 والسيرة الحلبية ج 1 ص 4 .
[44] تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 11 وتاريخ الخميس ج 1 ص 270 .
[45] البحار ج 9 ص 31 .
[46] روضة للفتال ص 69 .
[47] البحار ج 10 ص 137 عن ربيع الأبرار للزمخشري .
[48] العقد الفريد ج 2 ص 303 .
[49] شرح النهج الحديدي ج 2 ص 256 .
[50] ذخائر العقبى ص 82 والرياض النضرة ج 2 ص 194 والفيض القدير ج 4 ص 357 .
[51] تذكرة السبط ص 87 ومناقب الخوارزمي ص 58 .
[52] إرشاد الساري شرح البخاري ج 3 ص 195 .
[53] الرياض النضرة ج 2 ص 198 فيض القدير ج 4 ص 357 وتذكرة السبط ص 88 ومناقب الخوارزمي ص 60 .
[54] تاريخ ابن كثير ج 7 ص 359 والفتوحات الإسلامية لابن دحلان ج 2 ص 306 .
[55] الرياض النضرة ج 2 ص 197 ومنتخب كنز العمال بهامش مسند احمد ج 2 ص 352 .
[56] الرياض النضرة ج 2 ص 194 وذكر العلامة الجليل ميرزا عبد الحسين الأميني في كتابه «الغدير في الإسلام» ج 3 ص 91 كلمات له كثيرة في ذلك وخرج مصادرها.
[57] مستدرك الحاكم ج 1 ص 102 وتذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ـ ص 7 وسنن ابن ماجة ج 1 ص 16 وسنن الدارمي ج 1 ص 85 وجامع العلم لأبي عمر و صاحب الاستيعاب ج 2 ص 120 ط مصر .
[58] من أرجوزة الحجة آية الله الشيخ محمد حسين الأصفهاني رحمه الله .
[59] الطبري ج 6 ص 231 .
[60] مزار البحار ص 173 .
[61] ابن نما في مثير الأحزان ص 35 .
[62] أشار أبي الضيم بهذا الهتاف إلى الرحم الثابتة بين الأكبر وابن سعد فان ليلى أم الأكبر وسعد بن أبي وقاص ولدا خالة لأن أم ليلى ميمونة بنت أبي سفيان كما في الإصابة ج 4 ص 178 بترجمة أبي مرة وأم سعد حمنة بنت أبي سفيان كما في الرياض النضرة ج 2 ص 292 .
واختلف في ولادة عمر بن سعد فابن عساكر يرجح ولادته على عهد النبي صلى الله عليه وآله لرواية ابن إسحاق أن أباه سعداً أرسل جنداً الى الجزيرة بأمر عمر بن الخطاب سنة 19 وكان معهم ولده عمر ويحيى بن معين يختار ولادته سنة موت عمر بن الخطاب وحديث سيف يشهد له قال تزوج سعد بن أبي وقاص يسرى بنت قيس بن أبي الكتم من كندة في زمان الردة فولدت له عمر وفي الرياض النظرة أمه بنت قيس بن معد يكرب وفي منتخب كنز العمال بهامش مسند احمد ج 5 ص 113 وتذكرة الخواص ص 141 وابن الأثير ج 4 ص 94 ومثير الأحزان لابن نما ص 25 أن أمير المؤمنين عليه السلام لقي عمر بن سعد وقال له كيف بك يا أبن سعد إذا قمت مقاماً تخير فيه بين الجنة والنار فتختار النار وفي ص 74 من كامل الزيارة لابن قولوية أن أمير المؤمنين اخبر سعد بن أبي وقاص بأن ولده عمر يقتل الحسين عليه السلام وفي ابن الأثير ج 4 ص 94 أن عبد الله بن شريك يقول أدركت أصحاب الأردية المعلمة وأصحاب البرانس السود إذا مر بهم عمر بن سعد قالوا هذا قاتل الحسين وذلك قبل أن يقتله وفي تاريخ أبي الفدا ج 1 ص 195 في سنة 66 في ذي الحجة قتل المختار عمر بن سعد وابنه حفصاً .
[63] اللهوف ص 63 صيدا.
[64] تظلم الزهراء ص 116.
[65] اللهوف . ص 113 .
[66] سورة آل عمران ، الآية : 34 .
[67] تظلم الزهراء ص 116 .
[68] الأبيات بتمامها في إرشاد المفيد وزاد ابن شهر أشوب في المناقب بعد الرابع : «أطعنكم بالرمح حتى ينثني» ولم يذكر الطبري ج 6 ص 256 غير الثلاثة الأولى .
[69] هذا في تظلم الزهراء ص 117 وعند ابن شهر أشوب قتل سبعين وفي روضة الواعظين ص 161 قتل عشرة ورجع الى أبيه .
[70] اللهوف ص 113 .
[71] ابن نما في مثير الأحزان ص 35 .
[72] مقتل العوالم ص 95 وفي معاهد التنصيص ج 2 ص 51 ، أن يزيد بن مزيد الشيباني لما لحق الوليد بن طريف وأجهده العطش وضع خاتمه في فمه وتبع الوليد حتى طعنه بالرمح وهذا يستعمله المسافرون إذا بلغ منهم اللغوب ومن لم يجد الخاتم يضع الحصاه ونحوها وبذلك جاءت أحاديث أهل البيت عليهم السلام ففي الكافي للكليني عن الصادق عليه السلام لا بأس للصائم أن يمص الخاتم وبه أفتى العلماء بالجواز ولعل من أسرار وضع الخاتم ونحوه في الفن تسييب عمل الغدد في الإفراز.
[73] تظلم الزهراء ص 117.
[74] مقتل العوالم ص 95.
[75] هذا في ابن الأثير ج 4 ص 30 والأخبار الطوال ص 254 وإرشاد المفيد ص 238 وابن نما في اللهوف وزاد ابن جرير في التاريخ ص 256 منقذ بن النعمان العبدي ثم الليثي وأما في مقتل العوالم ص 95 فنص على انه منقذ بمن مرة .
[76] ابن شهر اشوب ج 2 ص 222.
[77] مقتل العوالم ص 95.
[78] رياض المصائب ص 321 .
[79] مقتل العوالم ص 95 .
[80] رياض المصائب ص 321 واللهوف . ص 114 .
[81] تاريخ الطبري ج 6 ص 256 .
[82] مقتل العوالم ص 95 .
[83] كامل الزيارة لابن قولويه ص 222 .
[84] الطبري ج 6 ص 256 .
[85] قال الطبرسي في أعلام الورى ص 145 خرجت زينب تصيح يا ابن أخاه فردها الحسين الى الفسطاط الذي يقاتلون إمامه وطبع الحال يقضي بأن النسوة شاركنها في الحسرة والزفرة وإقامة المأتم على مثال النبوة لأنها المتكفلة بحياطة الحرم والمسكنة لفورتهن فإذا أدهش العميد هول المصاب فكيف بالفواقد المستعرة أكبادهن بنيران الفوادح .
[86] أسرار الشهادة ص 146 .
[87] مزار البحار ص 151 عن كامل الزيارة .
[88] ذكر الكليني الدعائين في فروع الكافي في صلاة الحوائج ص 477 .
[89] مستدرك الوسائل ج 2 ص 212 .
[90] يحتمل أن يكون ذكر الحسن من زيادة النساخ سهواً ويحتمل أن يكون الغرض من ذكره الإشارة الى نكته دقيقة وهي لياقة الأكبر لتحمل الأسرار الإلهية كالأئمة المعصومين لكن الإرادة الأزلية قضت بحصر الخلافة في الإثني عشر الذين نصت الصحف المكرمة النازلة من رب العالمين على أسمائهم وأسماء آبائهم وكناهم وألقابهم .
[91] هذه الفقرة من الزيارة وردت في زيارة الناحية لشهداء اجمع وهنا يقول ابن طاووس أنها خالفت ما ورد في يوم عاشوراء من زيارة الشهداء في زيارة الأسماء ونقصانها إلا أنا اتبعنا ما رأيناه ورويناه .
[92] كامل الزيارة لابن قولويه ص 240 .
[93] مزار البحار ص 165 .
[94] مزار البحار ص 169 .
[95] مزار البحار ص 180 .