الكلمة التأبينية التي ألقاها الشيخ توفيق البوعلي في الحفل التأبيني لخادم الشريعة الغراء أعلى الله مقامه
نص الكلمة التأبينية التي ألقاها سماحة الشيخ توفيق البوعلي في الحفل التأبيني لسماحة خادم الشريعة الغراء أعلى الله مقامه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين وصلى الله على ساداتنا محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين . قال مولانا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام : ( … مات خُزَّان المال والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة … ) .
بعد ارتحال الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين بدأت الآراء والنظريات في المسائل العقائدية تخرج حتى تكونت مدراس إسلامية كثيرة ، وأخذت كل مدرسةٍ تدلو بدلوها وتنقد غيرها ، وقام أصحاب كل مدرسة بتوضيح آرائها والدفاع عنها . والمطلع المتتبع يرى أن هذه المدارس اعتمدت في كثيرٍ من آرائها على العقل البشري الغير مؤيد بالوحي الإلهي ؛ حتى أنها استقت وأخذت من المدارس الفلسفية التي قبل الإسلام . فأنتج هذا مخالفة لما ورد في القرن الكريم والسنة المطهرة في كثير من الأمور ، وأوضح مثال على هذا قولهم في إرادة الله تعالى بأنها صفة قديمة ذاتية ، والآيات الكريمة والروايات الشريفة عن المعصومين عليهم الصلاة والسلام كلها تنص على حدوثها . ومثال آخر قولهم بأن عِلم الله تعالى واحد وهو العلم الذاتي ، والآيات والروايات تنص بوضوح بأن علم الله تعالى اثنان : ذاتي وهو ذاته المقدسة ولا كيفية لهذا العلم ، وحادث مخلوق موجود بوجود الكائنات .
واستمر هذا السجال الكلامي بين تلك المدارس حتى جاء الشيخ الأوحد الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي أعلى الله مقامه وأسّسَ قواعد راسخة متينة ، ومباني ثابتة متأصلة لمدرسة حكمية تابعة للقرآن الكريم والسنة المطهرة ، وناسفة لتلك المدارس وآرائها المخالفة للقرآن الكريم والسنة المطهرة بآرائها وقواعدها . فتكونت تلك المدرسة المباركة التي قواعدها القرآن الكريم والسنة المطهرة . وهذه المدرسة المباركة انتشرت في جميع بلاد التشيع . والتاريخ هو الحاكم في هذا فمن راجع يجد الأمر جليًّا واضحاً كالشمس الساطعة .
وقد خَرَّجت هذه المدرسة المباركة أعلاماً بارزة ، وأطواداً شامخة ، ونجوماً ساطعة ، وأسواراً حصينة . أخذوا على عاتقهم الدفاع عن هذه المدرسة المباركة كالمظلوم الحكيم الإلهي السيد كاظم الرشتي ، والميرزا حسن كوهر ، والشيخ علي نقي الأحسائي ، والشيخ محمد تقي الأحسائي وغيرهم أعلى الله مقامهم .
وقد واجهت هذه المدرسة من الظلم والاضطهاد والإقصاء ما تضيق السطور بكتابتها ، ومن قرأ كتاب دليل المتحيرين للسيد الرشتي يرى عُظمَ ما جرى على الشيخ وعليه وعلى من سار في ركب هذه المدرسة من الظلم . ولكن أولئك الأعلام البارزة والأطواد الشامخة بقوا في ساحة الدفاع عنها لم ينثنوا ، ولم يعجزوا مع طول المدة ورغم المعاناة التي عانوها ، وهكذا الخلف عن السلف حتى وصل الدور إلى الأسرة العلمية الشامخة المباركة أسرة الإحقاقي بِدْأً من جدهم الأعلى الآخوند الميرزا محمد سليم الأسكوئي أعلى الله مقامه ، وقد جاهدت هذه الأسرة وأبلت بلاءً حسناً ، وقد تحملت من الأذى والظلم والتهميش والاضطهاد والإقصاء بدون مبالغة ما تضيق السطور بل الدفاتر عن كتابته ، وما يجعل القلوب حرّى بعد سماعه ، والشواهد على ذلك كثيرة جداً ، حتى آل الأمر إلى من انصبت عليه الظلامات تلو الظلامات ، واجتمع عليه الكل من كل جهة ، ولكنه صبر وواجههم ولم ينثنِ أبداً . ذلك هو المظلوم خادم الشريعة المرجع الديني المولى الميرزا عبد الرسول الحائري الإحقاقي أعلى الله مقامه ورفع في الخلد مكانه , وقد حافظ أعلام هذه الأسرة أعلى الله مقامهم جميعاً على هذه الأمانة حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن من انتشار وقبول ، وقد أشار خادم الشريعة أعلى الله مقامه إلى هذا بأن هذا زمن الأوحد . زمن انتشار هذه العقيدة المحمدية . زمن الافتخار بالأوحد ، وهذا ما يجري الآن بأن يكون اسم الشيخ عليه الرحمة في كل بلد ، وذكره يتألق في سماء كل مكان يذكر فيه بعد ما كان ذكره ذنباً والانتماء إليه يعد إساءة تستحق العقاب .
فهذه الأسرة المباركة هي الخلف التي حافظت وراعت هذه الأمانة بإخلاص وقد دافعوا عنها وبذلوا كل شيء من أجلها وتحملوا ما تحملوا لرفع رايتها ، لأنها راية أهل البيت عليهم الصلاة والسلام حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن ، فلهذا أعطاهم الله تبارك وتعالى من كرمه وفضله بأن جعلهم من الأولياء الكمَّلِين الذين يُقصدون فتقضى على أيديهم حاجات المؤمنين والمؤمنات ، وتجري على أيديهم الكرامات .
ها هو خادم الشريعة أعلى الله مقامه وأمامَ العالمِ كُلِّهِ في آخر أيامه يقول : ( أحسُّ بقرب المنية ) وهو في جوار الرسول الأعظم محمد والزهراء فاطمة وأئمة البقيع عليهم الصلاة والسلام وقد أكرمه الله تعالى بأن يجاور أبا عبد الله الحسين عليه الصلاة والسلام ويُشيع إلى دولةٍ ليس فيها حكومة ، وكلها اضطرابات ، وليس فيها أمن ولا استقرار بتشييع مهيب إلى أن جاور سيد الشهداء عليه الصلاة والسلام ، وتشاء الأقدار بوقوع حادث مؤلم في رجوع المشيعين ليكون ذلك سبباً بأن جميع العالم يتحدث عن وفاة خادم الشريعة أعلى الله مقامه ، وهذا من كراماته رضوان الله تعالى عليه .
وفي الختام نسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظ البقية الباقية من هذه الأسرة الكريمة روح الشريعة العالِم الحكيم الإلهي والفقيه الرباني آية الله المعظم المولى الميرزا عبد الله الحائري الإحقاقي دام ظله العالي ويجعله قائداً وحاملاً لراية هذه المدرسة المباركة ، وخيمةً للمؤمنين ، ومقصداً يقصده المؤمنون في حوائجهم بحق محمد وآله الطاهرين .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .