صفات المؤمنين في شرح الزيارة الجامعة ( الجزء الثاني ) … الشيخ حسين المطوع
صفات المؤمنين في شرح الزيارة الجامعة … ( الجزء الثاني )
الشيخ حسين المطوع
[ خلال مؤتمر الشيخ الأوحد أعلى الله مقامه الأول ( سيرة وعطاء ) في عام 1432هـ ]
معادن كلمات الله
من الدروس التي أشار إليها شيخنا أعلى الله مقامه في كثير من كتبه ضرورة أن يعرف الناظر في القرآن المجيد وروايات أهل العصمة عليهم السلام معاني الكلمات في اللغة العربية والرجوع إلى معاجم اللغة ، فإن من خلال معرفة معاني الكلمات تنفتح أبواب كثيرة للمعرفة خصوصا في معرفة مقاماتهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، ومن هذه المقامات كونهم عليهم السلام معادن كلمات الله ، ولمعرفة هذا المقام فلنتعرف على معنى كلمة معدن في اللغة العربية .
ففي لسان العرب : عدن فلان بالمكان يعدن ويعدن عدنا وعدونا أقام .
وعدنت البلد توطنته ، و مرْكَزُ كل شيء مَعْدِنُه ، وجنّاتُ عَدْنٍ منه أَي جنات إِقامة لمكان الخُلْد ، وجناتُ عَدْنٍ بُطْنانُها ، وبُطْنانها وسَطُها ، وبطنان الأودية المواضع التي يستريض فيها ماء السيل فيكرم نباتها واحدها بطن .
واسم عدنان مشتق من العدن ، وهو أن تلزم الإبل المكان فتألفه ولا تبرحه .
ومنه المَعْدِن ، بكسر الدال ، و هو المكان الذي يَثْبُتُ فيه الناس لأَن أَهله يقيمون فيه و لا يتحوَّلون عنه شتاء ولا صيفاً ، ومَعْدِنُ كل شيء من ذلك ، ومَعْدِنُالذهب والفضة سمي مَعْدِناً لإِنْبات الله فيه جوهرهما وإِثباته إِياه في الأَرض حتى عَدَنَ أَي ثبت فيها .
وقال الليث : مكان كل شيء يكون فيه أصله ومبدؤه نحو معدن الذهب والفضة والأشياء ) .
وفي القاموس المحيط ( والمعدن كمجلس منبت الجواهر من ذهب ونحوه لإقامة أهله فيه دائما ، أو لإنبات الله عز وجل إياه فيه ، ومكان كل شيء فيه أصله ) .
فإذا أخذا هذه المعاني وطبقناها على أنهم عليهم السلام معادن كلمات الله يظهر لنا من مقاماتهم ما يبهر العقول ، فلو أخذنا مثلاً واحداً من هذه المعاني مثل أن معنى المعدن أصل كل شيء ومبدؤه ، نتوصل إلى أنهم عليهم السلام أصل كلمات الله عز وجل بكل ما تعنيه كلمات الله عز وجل ما شئت من المعاني فضعها فهي صحيحة لا شك ولا ريب فيها ، وهذه الطريقة في التدبر من الطرق التي أرشد الشيخ الأجل لها ، وهذه الطريقة من التدبر والتأمل من أعظم وأهم صفات المؤمنين الموالين لمحمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين .
من علامات محبتهم محبة شيعتهم
كذلك من الصفات التي أشار إليها الشيخ رحمه الله تعالى في شرح أن الموالي لأهل البيت عليهم السلام لا يكون موال لهم بالحق والحقيقة حتى يوالي ويحب من أحبهم ، فلا يصح إيمان عبد وولايته بأن يقول مثلا أنا أحب أهل البيت عليهم السلام ولكني أبغض سلمان مثلا والعياذ بالله ، وعلى هذا فقس على جميع أهل الولاية والمحبة ، فإنه من كمال الإيمان وتمامه محبة كل من أحبهم ، وفي المقابل بغض كل من أبغضهم ومن أبغض محبيهم .
وهذه المحبة من شرائطها الإخلاص لهم عليهم السلام في المحبة بأن يفرغ الإنسان قلبه عن كل محبوب سواهم عليهم السلام وسوى من أحبهم وأخلص لهم .
وكذلك يكون محبا لهم باللسان بأن يلهج لسانه بذكرهم وذكر فضائلهم ومناقبهم ومقاماتهم عليهم السلام ، وكذلك أن يكون عاملا بالأركان ، عامل بالواجبات تاركا للمحرمات ، مؤدياً للمستحبات منتهيا عن المكروهات قدر الاستطاعة ، وأمثال هذه الأمور أطلق عليها الشيخ رحمه الله حدود الإيمان ، ومثل لها مثالاً واضحاً وجميلاً ، وهو أن المثلث مثلاً لا يكون مثلثاً حتى يكون له ثلاث أضلاع وهي حدوده ، فإذا نقص ضلع من الأضلاع لم يعد هذا الشكل مثلثاً ، وكذلك الإيمان له حدود وهي كما ذكرها أعلى الله مقامه : ( حد التصديق بالقلب والاعتقاد فيه بتوطين النفس على القيام بمتعلق مقتضاه من الخدمة والأعمال والأقوال ، وحد المجاهدة ، وحد الإخلاص ، وحد الانقياد وحد التسليم ، وحد عدم وجدان حرج في النفس فيما اقتضاه ذلك التصديق من الأعمال والأقوال والأحوال ، وحد الزهد ، وحد الورع ، وحد اليقين ، وحد العلم ، وحد الصلاح ، وحد المروة ، وحد الصبر وحد التوكل ، وحد الثقة بالله ، وما أشبه ذلك من الحدود ) .
أعاننا الله على ما أعان الصالحين عليه بمحمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين .
احتمال علمهم
من علامات كمال الإيمان أن يكون الإنسان له القدرة على تحمل علوم أهل البيت عليهم السلام ، وقد بين شيخنا أعلى الله مقامه في هذا الشرح معنى احتمال علم محمد وآل محمد صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين ، وهو أن معنى الاحتمال هو أن يعلم الموالي لهم أحقية علمهم عن علم ودراية ، لأن الاحتمال في غالب استعمالات المعصومين في رواياتهم دال على هذا المعنى ، مع الوضع بعين الاعتبار أن المؤمن يقر على نفسه أن علمه لا يحيط بعلمهم ولا يمكنه في حال من الأحوال ولا في يوم من الأيام سواء كان في الدنيا أو في الآخرة أن يسع تفاصيل علومهم صلوات الله عليهم أجمعين . ومعنى آخر للاحتمال وهو أن النبي المرسل أو الملك المقرب أو المؤمن الممتحن الذي يطلع على بعض من علومهم فإنه يعيش حالة شديدة لما لهذا العلم من حرارة في الصدر وحلاوة ، فهو يحتمل كتمان هذا العلم في صدره مع ما يجده من شدة في كتمانه ، وعلى الرغم من ذلك يبقى كاتما للعلم حتى يأذن الله تعالى له ويهيئ له نبيا مرسلا بالنسبة للنبي المرسل ، وملك مقرب بالنسبة للملك المقرب ، ومؤمن ممتحن بالنسبة للمؤمن الممتحن فيلقي ما في صدره من هذا العلم العظيم الذي منّ به وأفاضه عليه أهل البيت عليهم السلام ، وهم الذين أيضا أعطوه قوة الاحتمال على الكتمان ، وإلى هذا المعنى وردت الرواية كما ذكرها شيخنا رحمه الله عن كتاب مختصر البصائر عن أبي الحسن عليه السلام ( إنما معناه أن الملك لا يحتمله في جوفه حتى يخرجه إلى ملك مثله ، ولا يحتمله نبي حتى يخرجه إلى نبي مثله ، ولا يحتمله مؤمن حتى يخرجه إلى مؤمن مثله ، إنما معناه ألا يحتمله في قلبه من حلاوة ما في صدره حتى يخرجه إلى غيره ) .
عود على بدء
ذكرنا في أول البحث أن شيخنا الأجل قدس الله نفسه كثيرا ما كان يكرر مسألة الميثاق الذي أخذه الله تعالى على خلقه من الإقرار له بالربوبية ، ولمحمد صلى الله عليه وآله بالنبوة والرسالة ، ولأمير المؤمنين علي وفاطمة الزهراء وأولادهما المعصومين بالولاية والإمامة ، وفي أحد مواضع هذا الشرح يعد الشيخ رحمه الله القبول بهذا العهد تكريم من الله عز وجل لعباده الصالحين ، وهذا القبول هو درع الله الحصينة الذي من دخله كان آمنا ، فإن المؤمن الموالي الذي يفي بشروط هذا العهد والميثاق في الأصول والفروع يكون قد دخل في حص الله وحفظه من الشيطان وجنوده ومن جميع شرورهم وحيلهم وخدائعهم ، وهذا الوفاء بالعهد هو الحصن المذكور في دعاء الاعتصام الذي يستحب قراءته في الصباح والمساء الذي أوله ( أصبحت ( أمسيت ) اللهم معتصما بذمامك وجوارك المنيع … إلخ ) .
وعند التأمل قليلاً في مضامين هذا الدعاء نرى جلياً وواضحاً أن الذمام والجوار والتمسك بحبلهم ، وكل هذه صفات للمؤمنين يجب عليهم أن يتحلوا بها ، وأن من يفعل ذلك يكون في أمان الله وحفظه من شر كل ذي شر من أي نوع من أنواع المخلوقات ، ومهما كان شره عظيما ، جعلنا الله وإياكم من المعتصمين بذمامهم وجوارهم .
وأيضا الوفاء بهذا العهد يعصم الإنسان من الوقوع في الخطأ في عقائده وعباداته وسائر أحواله وشئونه ، لأنه لا يعتقد إلا ما اعتقدوه ، ولا يعمل إلا ما عملوه ، ولا يقول إلا ما يقولونه ، وبالتالي فهو آمن من الزلل والخطأ ما دام موفيا بالعهد كما أخذ منه .
وأيضا الوفاء بهذا العهد يمنع الإنسان من جميع مكاره الدنيا والآخرة ، ونعني بمكاره الدنيا والآخرة ما فيها سخط الله تعالى ، وأما المكاره التي فيها رضا الله فإنه محبوبة ومرادة للمؤمن ، ألا ترى أن القتل هو من أعظم المكاره ، لكن الموفي بعهد الله وعهدهم المخلص في حبهم يتمنى هذا القتل في سبيل الله في كل ساعة وفي كل وقت ، كما هو الوارد في كثير من زياراتهم وأدعيتهم صلوات الله عليهم أجمعين ، مثلما ورد في زيارة مولانا بقية الله الأعظم صاحب الزمان صلوات الله وسلامه عليه التي يستحب قراءتها بعد صلاة الفجر من كل يوم ( واجعلني من المستشهدين بين يديه طائعا غير مكره في الصف الذي نعت أهله في كتابك … إلخ ) ، وكما أيضا في دعاء العهد ( والسابقين إلى إرادته والمستشهدين بين يديه ) ، وكما في بعض أدعية شهر رمضان ( وأسألك أن تجعل وفاتي قتلا في سبيلك تحت راية نبيك وأوليائك ، وأمثال ذلك كثير في الأدعية والزيارات ، فالقتل في سبيل الله عز وجل هو مطلب كل مؤمن وموال لأهل البيت عليهم السلام ، فالجاهل يرى مثل هذا من المكاره ، وأما العالم المؤمن فإنه يرى ذلك من السعادة والسرور .
وعلى كل حال المراد من كون المعتصم بذمامهم وجوارهم آمن من مكاره الدنيا والآخرة يعني المكاره في دينه ، وأما ابتلاءات هذه الدنيا فإنها كما هي في الروايات تحف الله وهچایاه لخاصة عباده المقربین کما فی الحچیث عن موذنا الباقر علیه السلام ( إن الله ليتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرجل بالهدية ويحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض ) .
لقد ضمن أهل البيت عليهم السلام بوعد من الله عز وجل لشيعتهم أن يدخلهم الله الجنة كما ورد في الحديث المروي في بحارالأنوار ج 27ص10عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: ( لَمَّا خَلَقَ آدَمَ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ عَطَسَ آدَمُ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ حَمِدْتَنِي عَبْدِي وَعِزَّتِي وجَلَالِي لَوْ لَا عَبْدَانِ أُرِيدُ أَنْ أَخْلُقَهُمَا فِي دَارِ الدُّنْيَا مَا خَلَقْتُكَ قَالَ إِلَهِي فَيَكُونَانِ مِنِّي قَالَ نَعَمْ يَا آدَمُ ارْفَعْ رَأْسَكَ انْظُرْ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا مَكْتُوبٌ عَلَى الْعَرْشِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ وَعَلِيٌّ مُقِيمُ الْحُجَّةِ مَنْ عَرَفَ حَقَّ عَلِيٍّ زَكَى وَطَابَ وَمَنْ أَنْكَرَ حَقَّهُ لُعِنَ وَخَابَ أَقْسَمْتُ بِعِزَّتِي أَنْ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ مَنْ أَطَاعَهُ وَإِنْ عَصَانِي وَأَقْسَمْتُ بِعِزَّتِي أَنْ أُدْخِلَ النَّارَ مَنْ عَصَاهُ وَإِنْ أَطَاعَنِي ) .
فالمؤمن معتمد على هذا الضمان مع التزامه بما أوجب الله تعالى عليه من العبادات ولكنه لا يعتد عليها في النجاة من العذاب ولكنه يعتمد على حبهم وولايتهم ، وحتى عندما يذنب فإنه على يقين أن هذه الذنوب لا تضر مع الثبات على حبهم وولايتهم وهو صريح ما ورد عن مولانا بقية الله الأعظم أرواحنا له الفداء كما رواه رضي الدين بن طاووس قدس الله نفسه ( اللهم إن شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بماء ولايتنا ، اللهم اغفر لهم من الذنوب ما فعلوه اتكالا على حبنا وولائنا يوم القيامة ، ولا تؤاخذهم بما اقترفوه من السيئات إكراما لنا ، ولا تقاصهم يوم القيامة مقابل أعدائنا ، فإن خفت موازينهم فثقلها بفاضل حسناتنا ) .
اللهم ثبتنا على حبهم وولايتهم ، ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة .
أخيرا
إن صفات المؤمنين التي ذكرها شيخنا أعلى الله مقامه في شرحه هذا كثيرة جدا نحن ذكرنا بعضا منها سائلين الله تعالى أن يوفقنا لكي نتصف بهذه الصفات العظيمة ، وأن يجعلنا من أهل دار دعواهم فيها سبحانك اللهم وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .