صفات المؤمنين في شرح الزيارة الجامعة ( الجزء الأول ) … الشيخ حسين المطوع

صفات المؤمنين في شرح الزيارة الجامعة … ( الجزء الأول )

الشيخ حسين المطوع

 [ خلال مؤتمر الشيخ الأوحد أعلى الله مقامه الأول ( سيرة وعطاء ) في عام 1432هـ ]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سادات الخلق أجمعين محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين ولعن الله أعداءهم أجمعين من أول الدهر إلى قيام يوم الدين آمين رب العالمين .

ورد في دعاء زمن الغيبة قول إمامنا الصادق عليه السلام ( اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك ، اللهم عرفني رسولك فإنك إن لم تعرفني رسول لم أعرف حجتك ، الله عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني ) .

من الأمور الواضحة والبديهية أن الله عزل وجل لم يخلق الخلق إلا لأجل معرفته ومعرفة نبيه والأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، ومن الواضح والجلي أيضا أن هذه المعرفة غير ممكنة للخلق باجتهاد منهم من غير معونة من الله ونبيه والأئمة عليهم السلام ، ذلك لعدة أسباب ومنها ، أن سائر الخلق وجود محدود ، وأما النبي وأهل بيته عليهم السلام فهم وجود غير محدود ، ولا شك أن المحدود لا يمكنه معرفة غير المحدود إلا بتعريف منه ، ولهذا صدر عن المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين الكثير من الأخبار والروايات التي تعرف الله ونبيه والأئمة عليهم السلام ، لأن هذه المعرفة هي الدين الذي لا يقبل الله عز وجل من أحد عملا بدونه ، ومن جملة ما صدر عنهم صلوات الله عليهم في هذا الخصوص ( الزيارة الجامعة الكبيرة ) المروية عن مولانا وإمامنا علي بن محمد الهادي عليهما السلام .

وقد اعتنى كثير من علماء الإمامية رضوان الله عليهم اعتناء كبيرا بهذه الزيارة لما تحتويه هذه الزيارة من تعريف لا نظير له ولا مثيل لمقامات التوحيد ، ومقامات النبي الأكرم والأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، بل ولاحتوائها أيضا على أوصاف أتباع المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، وأوصاف أعدائهم ومبغضيهم ، كما لم تخل هذه الزيارة عن ذكر القيامة وأحوالها ، وذكر قيام القائم روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء ، وذكر أحوال الرجعة ، وغير ذلك من الأمور غير المتناهية ، ولأجل هذا ، وغيره مما لم نحط به علما سميت هذه الزيارة بالزيارة الجامعة الكبيرة .

وكما سلف ذكرت أنه قد اعتنى كثير من علماء الإمامية اعتناء كبيرا بهذه الزيارة وتعرضوا لشرحها بشروح كثيرة ، ومن هذا الشروح :

 ( 1 ) الأعلام اللامعة في شرح الجامعة : للسيد محمد بن عبد الكريم الطباطبائي البروجردي المتوفى حدود سنة 1160هـ . ( الذريعة 2/239 ) .

 ( 2 ) الإلهامات الرضوية في شرح الزيارة الجامعة الكبيرة المشهورة ( فارسي ) : للسيد محمد بن السيد محمود الحسيني اللواساني الطهراني الشهير بالسيد محمد العصار ( ت 1355هـ ) ، ( الذريعة 2/302 ) .

 ( 3 ) شرح الزيارة الجامعة الكبيرة : للشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي ( ت 1241هـ ) ، وهو مطبوع في أربعة مجلدات .

 ( 4 ) الأنوار اللامعة في شرح الزيارة الجامعة : للسيد عبد الله شبر ( ت 1242هـ ) .

 ( 5 ) البروق اللامعة ( تعليقات على الزيارة الجامعة الكبيرة المعروفة وعلى بعض الأدعية المتداولة أيضاً ) : للشيخ علي بن محمد جعفر الاسترابادي الطهراني ( ت 1315هـ ) . ( الذريعة 3/89 ) .

 ( 6 ) شرح الزيارة الجامعة : للمولى محمد تقي المجلسي ، والد العلامة المجلسي صاحب البحار ( ت 1070هـ ) . ( الذريعة 13/305 ) .

 ( 7 ) شرح الزيارة الجامعة ( فارسي ) : للعلامة السيد حسين بن السيد محمد تقي الهمداني ( ت 1344ه‍ ) ، اسمه ( الشموس الطالعة ) ( الذريعة 13/305 ) .

 ( 8 ) شرح الزيارة الجامعة : للعلامة الميرزا علي نقي بن السيد حسين المعروف بالحاج آغا ابن السيد المجاهد الطباطبائي الحائري ( ت 1289هـ ) ( الذريعة 13/306 ) .

 ( 9 ) شرح الزيارة الجامعة : للميرزا محمد علي بن المولى محمد نصير الچهاردهي الرشتي النجفي ( ت 1334ه‍ ) . فارسي كبير ( الذريعة 13/306 ) .

 ( 10 ) شرح الزيارة الجامعة : للسيد بهاء الدين محمد بن محمد باقر الحسيني النائيني المختاري ( الذريعة 13/306) .

 ( 11 ) شمس طالعة في شرح الزيارة الجامعة ( فارسي ) : للسيد عبد الله بن أبي القاسم الموسوي البلادي ( الذريعة 14/223) .

 ( 12 ) شمس طالعة في شرح الزيارة الجامعة الكبيرة : للميرزا محمد بن أبي القاسم ناصر حكمت طبيب زاده الأصفهاني المعاصر الأحمد آبادي . ( الذريعة 14/224) .

 ( 13 ) الشموس الطالعة في شرح الزيارة الجامعة الكبيرة : للسيد حسين بن السيد محمد تقي الهمداني الدرود آبادي ( ت 1344هـ ) ، هو من نفائس الشروح حاو لتحقيقات عالية . ( الذريعة 14/234) .

 ( 14 ) الشموس الطالعة في شرح الزيارة الجامعة الكبيرة : للسيد ريحان الله ابن السيد جعفر الدارابي البروجردي ( ت 1328هـ ) . ( الذريعة 14/234) .

 ( 15 ) الأنوار الساطعة في شرح الزيارة الجامعة : للشيخ محمد رضا بن القاسم الغراوي المعاصر . ( الذريعة 14/60) .

 وكما يظهر لك فإن ( شرح الزيارة الجامعة الكبيرة) للشيخ الأجل أحمد بن زين الدين الأحسائي الأوحد قدس الله نفسه الزكية ، يعد من أوسع وأكبر الشروح .

ونحن من خلال هذا البحث سنحاول تسليط الضوء على بحث صفات المؤمنين التي تعرض هذا الشيخ الجليل لذكرها ، مع لفت انتباه القارئ العزيز إلى أنني لا أدعي أني من خلال هذا البحث أو غيره قد أدركت وفهمت حقيقة ما أرداه الشيخ أعلى الله مقامه الشريف ، وذلك للفرق الشاسع والكبير بيني وبين الشيخ أعلى الله مقامه من سعة الاطلاع والإحاطة بالكثير من أخبار وروايات أهل العصمة عليهم السلام ، ولما كان يتمتع به الشيخ أعلى الله مقامه من ورع وتقى وإيمان وزهد في الدنيا ، وإقبال على الآخرة كما شهد له بذلك الكثير من العلماء الأجلاء مثل العلامة المتتبع الميرزا محمد باقر الموسوي الخوانساري في كتابه ( روضات الجنات في أحوال العماء والسادات) ( ترجمان الحكماء المتأهلين ، ولسان العرفاء والمتكلمين ، غرة الدهر ، وفيلسوف العصر ، العالم بأسرار المباني والمعاني ، شيخنا أحمد بن الشيخ إبراهيم الأحسائي البحراني ، لم يعهد في هذه الأواخر مثله ، في المعرفة والفهم ، والمكرمة والحزم ، وجودة السليقة ، وحسن الطريقة ، وصفاء الحقيقة ، وكثرة المعنوية ، والعلم بالعربية ، والأخلاق السنية ، والشيم المرضية ، والحكم العلمية والعملية ، وحسن التعبير والفصاحة ، ولطف التقريروالملاحة ، وخلوص المحبة والوداد ، لأهل بيت الرسول الأمجاد ) ( ج1 / 88 ) .

ولست الآن في صدد بيان أحوال الشيخ رحمه الله وسلوكه وأقوال العلماء فيه رضوان الله عليه وعليهم أجمعين .

 

صفات الشيعة والمحبين

لقد اهتم الشيخ أعلى الله مقامه اهتماما بليغا بالإضافة إلى بيان الكثير من أسرار ومقامات التوحيد ، ومقامات النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ، ومقامات المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ، كذلك اهتم رضوان الله عليه ببيان صفات المؤمنين ومقاماتهم ، وما الذي يجب عليهم فعله حتى يصلوا إلى أعلى درجات القرب الممكنة من أهل بيت النبي الأعظم صلى الله عليه وعليهم أجمعين ، وقد ظهر ذلك في مواضع كثيرة من هذا الشرح لكنه ظهر بصورة أكثر تركيزاً في الجزء الثالث من هذا الشرح المبارك ، وخصوصاً اعتباراً من بيان الشيخ رحمه الله لقول مولانا الهادي صلوات الله عليه ( بأبي أنتم وأمي وأهلي ومالي وأسرتي أشهد الله وأشهدكم أني مؤمن بكم … إلخ ) والآن أوان الشروع في بيان بعضاً من تلك الصفات علما بأني لن أذكر هذه الصفات بصورة مرتبة ولكن كيفما اتفق ووجدته حسب اطلاعي في هذا الشرح .

من الصفات التي يتحلى بها أهل المقامات العالية من شيعة ومحبي أهل بيت العصمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين هو مقام بذل أغلى وأنفس ما يمتلكه أو ينتمي إليه الإنسان في سبيل آل بيت العصمة والرسالة صوات الله وسلامه عليهم أجمعين عادا ذلك البذل من أبسط حقوق المعصومين صلوات الله عليهم اجمعين على محبيهم ولا يمكن الوصول إلى هذا المقام إلا أن يكون هذا الفرد عارفا بكل المقامات التي فصلها الإمام الهادي عليه السلام في الفقرات التي سبقت فقرة ( بأبي أنتم وأمي ) من كونهم أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة … الخ من هذه المقامات العظيمة ، وأن يعرف معنى هذه المقامات ولو إجمالا حسب الوسع والطاقة فكلما زادت معرفة العبد بهذه المقامات كلما كان بذله للغالي والنفيس عنده أهون وأسهل .

 

العهد والميثاق

من الأمور التي يجب على كل موالي معرفتها هو أن الله سبحانه وتعالى قد أخذ على العباد في أول وجودهم عهداً وميثاقاً بالإقرار له بالربوبية ولمحمد صلى الله عليه وآله بالنبوة والرسالة ولأمير المؤمنين علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء وأولادها الأحد عشر المعصومين بالولاية وأن الله سبحانه وتعالى قد شهد هو بنفسه سبحانه على هذا الميثاق ثم أشهد عليه النبي وأهل بيته المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وأشهد كذلك الملائكة وأشهد نفس ذلك الموالي على هذا الميثاق وعندما يقدم الموالي إلى هذه الدنيا فإنه يعمل بمقتضى هذا الميثاق وهذا من أهم صفات المؤمنين والموالين وقد أشار الشيخ رحمه الله إلى بعض من بنود هذا الاتفاق أو شروطه ونحن في هذا البحث نشير إلى بعض منها إن شاء الله تعالى .

من أول شرائط هذا الميثاق أن يؤمن الموالي لآل العصمة عليهم السلام بجميع ما لهم من المقامات التي أعطاهم الله تعالى مثل مقام البيان أومقام إثبات التوحيد ، ومقام المعاني ، ومقام الأبواب ، ومقام الإمامة والظهور البشري ، وإن كان الموالي يقر على نفسه بعدم معرفته لحقيقة وكنه هذه المقامات ، وبل وأرى أنه لا يعرف حتى ظاهرها إلا بتعليم منهم ، ولا يفهم مما علموه إلا أمورا ظاهرية على مقدار عقل العارف لا على رتبة ظاهرهم صلوات الله عليهم أجمعين ، وعلى الرغم من أنه لا يدرك إلا هذا الظاهر فالواجب عليه الإيمان بظاهره وباطنه ، بل وعليه أن يصف المعصومين بكل كمال وأن لا يعتقد فيهم أي نقيصة ثم ينزههم حتى عن هذا الكمال الذي فهمه وعرفه .

وأيضا يجب عليهم أن يؤمن بأن الله أطلعهم على جميع شئونهم وجميع شئون سائر الخلق من الذرة إلى الدرة ومن العرش إلى الفرش ظاهرها وباطنها ، وأنهم لا يخفى عليهم خافية من جميع شئون هذا الوجود ، وما أراده الله تعالى من سائر خلقه من معرفة صفاته وأفعاله وعبادته فعنهم صدر وإليهم يعودوهم المحيطون بعلمه ، وكذلك ما أجراه الله تعالى على أعدائهم من جميع شئونهم أيضاً .

ولا يكفي هذا الإيمان بهم وحده بل يجب مع هذا الإيمان أن يكفر الموالي بما نسبه أعداؤهم لأنفسهم من الفضائل والمناقب ، وما اغتصبوه من حقوق آل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .

 

معرفتهم بالنورانية

من البحوث المتكررة في هذا الشرح وفي غيره من كتب الشيخ أعلى الله مقامه وكتب تلامذته وأتباع مدرسته هو بحثمعرفة أهل العصمة عليهم السلام بالنورانية ووجوبه ، كما نص عليه الحديث المشهور بحديث معرفتهم بالنورانية عندما قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام مخاطبا سلمان وأبا ذر عندما قالا له ( جِئْنَاكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَسْأَلُكَ عَنْ مَعْرِفَتِكَ بِالنُّورَانِيَّةِ قَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ مَرْحَباً بِكُمَا مِنْ وَلِيَّيْنِ مُتَعَاهِدَيْنِ لِدِينِهِ لَسْتُمَا بِمُقَصِّرَيْنِ لَعَمْرِي إِنَّ ذَلِكَ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ ثُمَّ قَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَا سَلْمَانُ وَ يَا جُنْدَبُ قَالَا لَبَّيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ عليه السلام إِنَّهُ لَا يَسْتَكْمِلُ أَحَدٌ الْإِيمَانَ حَتَّى يَعْرِفَنِي كُنْهَ مَعْرِفَتِي بِالنُّورَانِيَّةِ فَإِذَا عَرَفَنِي بِهَذِهِ الْمَعْرِفَةِ فَقَدِ امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ وَ شَرَحَ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَ صَارَ عَارِفاً مُسْتَبْصِراً وَ مَنْ قَصَّرَ عَنْ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ فَهُوَ شَاكٌّ وَ مُرْتَابٌ يَا سَلْمَانُ وَ يَا جُنْدَبُ قَالا لبَّيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ عليه السلام مَعْرِفَتِي بِالنُّورَانِيَّةِ مَعْرِفَةُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ‏وَ مَعْرِفَةُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَعْرِفَتِي بِالنُّورَانِيَّةِ وَ هُوَ الدِّينُ الْخَالِص‏ ).

وأختصر هنا ما فهمته من معرفة هذا المقام الذي هو من أعظم المقامات ، وهو أن ما كلف به العباد ليس معرفة حقيقتهم النورانية وكنههم النوراني ، وذلك لأنه شيء لا يمكن لأحد ممن في الوجود إدراكه ولا فهمه ولا معرفته ، لأن من شروط المعرفة والعلم الإحاطة بالمعلوم وهم عليهم السلام لا يحيط بهم شيء في الوجود ، وهم المحيطون بكل ما في عالم الوجود ، وأظن أن المراد بمعرفتهم بالنورانية هو معرفتهم بما قذف الله في قلوب محبيهم من أنوارهم وإشراقاتهم ، ومعرفة الحقيقة التي سأل عنها كميل بن زياد رضوان الله عليه وأجاب عنها أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه بقوله ( كشف سبحات الجلال بغير إشارة ) وإلى أن قال ( نور أشرق من صبح الأزل فيلوح على هياكل التوحيد آثاره ) وهذا الموضوع يحتاج إلى بحث مستقل والكلام فيه طويل وجميل ، والمقام هنا مقام الاختصار . 


أكتب تعليقاً