كلمة آية الله المولى الميرزا عبد الله الحائري الإحقاقي دام ظله العالي
كلمة آية الله المولى
الميرزا عبد الله الحائري الإحقاقي دام ظله العالي
خلال مؤتمر الشيخ الأوحد أعلى الله مقامه الأول ( سيرة وعطاء ) في عام 1432هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، حبيب قلوبنا ، وطبيب نفوسنا ، البشير النذير ، والسراج المنير ، أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ، الذين أذهب الله عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيراً . واللعن الدائم على أعدائهم ، ومخالفيهم ومنكري فضائلهم من الآن إلى قيام يوم الدين ، أبد الآبدين ، آمين يا رب العالمين .
قال مولانا أمير المؤمنين ، وإمام المتقين علي بن أبي طالب عليه صلاة وسلام المصلين :
[ وأنَّه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شيء أخفى من الحق ، ولا أظهَر مِن الباطل ، ولا أكثر من الكذب على الله ورسوله . وأيضاً في خطبةٍ أخرى : [ رحم الله رجلاً رأى حقاً فأعان عليه ] .
إخواني المؤمنين ، مشايخنا العظام ، علمائنا الأعزاء ، وأساتذتنا الأجلاء .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أهنئكم بمناسبة افتتاح المؤتمر الأول للعلامة الأوحد الشيخ أحمد بن الشيخ زين الدين الأحسائي في هذا المكان المقدس ، الحسينية الجعفرية في الكويت المحبوبة .
أشكركم شكراً جزيلاً لِمشاركتكم في هذا الحمل العظيم ، وأعتذرُ منكم ما تمكنت الحضور في جواركم ، لأستفيد من بياناتكم النورانيَّة مباشرة .
كيف أتمكن أن أشرح سرور قلبي عن تشكيل هذا المؤتمر المبارك ، وكيف أتمكن أن أخفي حزنَ قلبي عن غيابي في ذلك المجلس الكبير ، العبدُ يدبِّر ، والله يقدِّر .
وأشكر القائمين على هذا المجلس الميمون ، لأنهم تحملوا مشاكل عديدة لتنظيم الأمور وإدارتها .
أقدَّرهم بأحسن التقدير ، وجزاهم الله بأحسن الجزاء .
أيها السادة : تُخلِّد ذكر العالم الكتب ، التي يودع فيها آيات عبقريته ، ويخلِّدُ الأثر الفنِّي ذكرى الفنان ، أما المصلح فهو يهيِّئ للجماعة مثلاً أعلى لم تعرفه من قبله ، ويحاول أن يصرف إلى ذلك المثل القلوب محاولةً تظهر فيها قوة نفسه ، وقوة عزيمته ، ويُظْهِر فيها فيض ما وُهِبَ من عبقريَّة وإلهام .
والشيخ الأوحد مصلح جريء ، حاول الهدم والبناء في أعظم معتقدات الفلاسفة ، فيما يعتبرها الحكماء الفلسفة الإسلامية .
الفلسفة الإسلامية كانت فيها أخطاء تحتاج إلى من يصححها ، فجاء شيخ المتألهين الشيخ أحمد بن الشيخ زين الدين الأحسائي قدس سره الشريف ، الذي كان في زمانه إلى زماننا هذا معياراً في تحمل أسرار أئمتنا المعصومين عليهم الصلاة والسلام ، فكان بحق هو مجدِّد للحكمة الإلهية في تلك المئة ، وهي المئة الثالثة عشرة ، حيثُ لكل قرن مجدد . فكان أول مجدد هو الشيخ أحمد الأحسائي أعلى الله مقامه الشريف .
وجديرٌ بالذكر الإشارة إلى كلمة العالم العلام ، فخر المحققين الميرزا محمد تقي حجة الإسلام المامقاني ، صاحب صحيفة الأبرار في هذا المجال : ( اقتضى صلاح الوقت والمكان والأشخاص والأعيان ظهور طليعة شيخنا عماد الملة والدين ، وركن الإسلام والمسلمين ، آية الله في العالمين ، الكاشف لحقائق كتاب الله التدويني ، والواقف على دقائق خطابه التكويني ، شارح رموز الدقائق ، فاتح كنوز الحقائق ، ناشر أعلام الدلالة والهداية ، الكاشف لسبحات الجلال بسر البساطة ، والمجدد لجهات الكمال بعين الإحاطة ، سمي نبي الله في الاسم السمائي ، والمنتشر في الأطباق رسمه ، أنار الله برهانه ، ورفع في مآنس القدس شأنه ، وأعلى في الملأ الأعلى مكانته ومكانه ) .
جميع الحكماء الإمامية قد أخذوا أسس الحكمة من فلسفة اليونان ، وذلك بإيراد نصوص من كلام الفلاسفة من كتبهم ، كقول الملا صدرا الشيرازي رحمه الله تعالى : ( واعلم أن أساطين الحكمة المعتبرة عند طائفة ثمانية من ثالس إلى سقراط أفلاطون وارسطاطاليس . ولقد أشرقت أنوار الحكمة في العالم بسببهم ، وانتشرت علوم الربوبية في القلوب لسعيهم ، وكل هؤلاء كانوا حكماء زهَّاداً عبَّاداً متألهين ، معرضين عن الدنيا ، مقبلين على الآخرة ، فهؤلاء يُسَمَّوْن بالحكمة المطلقة ، ثم لم يُسمَّ أحدٌ بعد هؤلاء حكيماً ) .
البتة في بعض الأحيان حاول الحكماء بعضهم إبطال مذهب الفلاسفة من خلال هدم الصرح وحفظ الأسس ، الأمر الذي انتهى إلى الوقوع في التناقض ، على العكس منهم الشيخ الأوحد هدم صرح المنطق الأرسطي من الأسس ، وهو يقول في نقده للمنطق في كتاب شرح فوائد الحكمة : ( إن معرفة الله سبحانه ، ومعرفة الأشياء كما هي في أصل البدء لا ينال شيء من ذلك بالقوانين المنطقية ، لأن المنطق مبني على مدارك عقولهم الاكتسابية ، وعلى ما يفهمون من دلالة الألفاظ ، والألفاظ وضعها الله سبحانه وتعالى بعلمه ، كما أطلع عليه أهل العصمة عليهم السلام ، وقد أخبروا أنها على سبعين وجهاً ) .
ولم يكتف الشيخ بهدم الأسس والصرح ، بل قدَّم البديل الذي ينوب عنه ، وهو يعلم ويعتقد أن تقديم البديل في نفسه لا يرضي قلوب العلماء الذين يطلبون كشف الحقيقة طوال القرون والاعصار ، بل دوام البديل يحتاج إلى صحته ، وكونه خالٍ من الخطأ والزلل .
فلهذا كان يكرر الشيخ عليه الرحمة دائماً من أنه تابع للمعصومين عليهم السلام في ما جاء به من المطالب كقوله : ( لم يتطرق على كلماتي الخطأ ، لأني ما أثبت في كتبي فهو عنهم . وهم عليهم السلام معصومون عن الخطأ والغفلة والزلل ، مَن أخذ عنهم لا يخطي من حيث هو تابع . قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه : ( هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبين ) .
نلخص تفسير هذه الآية المباركة الشاملة من كلمة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام عندما يقول : ( اطف السراج فقد طلع الصبح ) .
بعد طلوع الإسلام نسخ سائر الأديان ، كما نسخ سائر الحكم ، ومع وجود أشرف الأنبياء محمد المصطفى صلى الله عليه وآله الطاهرين ، والقرآن الكريم وحكمة أهل البيت كان الاتباع للأديان المنسوخة ، والحكم الباطلة عملاً عجيباً غير معقول ومقبول .
نحمد الله تبارك وتعالى أنَّ في زماننا هذا العلماء العاملين ، والمنصفين المطلعين على الحقائق ، والناظرين بعين التحقيق والبصيرة في آثار الشيخ الأوحد ، والعارفين لمصطلحات أئمتنا المعصومين يصدقونه ويمدحونه ، وينشرون آرائه وعقائده على المنابر وفي كتبهم .
نطلب من الله أن يكون هذا المؤتمر محلاً لنشر فضائل أهل البيت ومناقبهم ، وتعريف الشيخ الأوحد وتلامذته وكتبه ومدرسته إلى عالم التشيع والإسلام ، تحت راية مولانا ومقتدانا إمام العصر والزمان المهدي المنتظر ، روحي وأرواحنا له الفداء . وآخر دعوانا صلوات على محمد وآله الطاهرين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الداعي لكم
الميرزا عبد الله الحائري الإحقاقي