كلمة سماحة العلامة الشيخ علي الكوراني حفظه الله [ خلال مؤتمر الشيخ الأوحد أعلى الله مقامه الأول ( سيرة وعطاء ) ]
كلمة سماحة العلامة الشيخ علي الكوراني حفظه الله
[ خلال مؤتمر الشيخ الأوحد أعلى الله مقامه الأول ( سيرة وعطاء ) في عام 1432هـ ]
بسـم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيدنا ونبينا وهادينا وشفيعنا ، محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين .
السلام عليكم أيها الإخوة المؤمنون ، ورحمة الله وبركاته .
يسرني أن أشارك معكم في هذا المؤتمر الكريم ، الذي يعقد لتكريم وتقديم فكر مرجع من مراجعنا الكبار ، الذين أثَّروا في مجتمعاتنا ، وحملوا شعلة الإيمان بالنبي وأهل بيته الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم ، وهو المرجع الشيخ أحمد الأحسائي قدس الله نفسه الزكية .
وفي الحديث عن مراجعنا ، وعن هذا المرجع الراحل ، تواجهنا نقاط عن الوحدة الإسلامية ، ووحدة أتباع أهل البيت عليهم الصلاة والسلام ، وعن نوعية فهمنا للنبي والأئمة صلوات وسلامه عليهم ، ومسؤوليتنا في تعايشنا وتحاببنا ، وفي تعريفنا لعلمائنا إلى العالم .
إخواني الأعزاء:
تعرفون أن أئمتنا صلوات الله وسلامه عليهم هم الذين حملوا لواء وحدة الأمة ، فقد كان أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه عضد رسول الله صلى الله عليه وآله في إنشاء هذه الأمة وإخراجها إلى الوجود ، وهو الذي رفع راية وحدتها مع النبي صلى الله عليه وآله وبعده ، وتحمل من أجل ذلك الكثير، فقال صلوات الله عليه : (( فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام ، يريدون محق دين محمد صلى الله عليه وآله وملة إبراهيم عليه السلام ، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً وهدماً تكون مصيبته أعظم عليَّ من فَوْت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل ، ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب ، وكما يتقشع السحاب ، فنهضت في تلك الأحداث حتى زاغ الباطل وزهق ، وكانت كلمة الله هي العليا ولو كره الكافرون )) .
إن الحرص على وحدة الأمة خطٌّ ثابتٌ عند أئمتنا صلوات الله وسلامه عليهم ، ومن أجله تحملوا الكثير الكثير ، وهذا لا يمنع أن يكونوا مصرِّين على بيان الحق ، والإسلام النبوي الذي تلقوه من جدهم صلى الله عليه وآله .
وعلى خط الأئمة صلوات الله عليهم سار أتباعهم في كل العصور ، فنحن نؤمن بوحدة الأمة في مواجهة أعدائها ، ونرى أن ذلك لا يمنع من حرية المذاهب داخل الأمة ، ولا ينافي حرية البحث العلمي في العقائد والمذاهب .
وأنتم تلاحظون أن علماء الشيعة قدس الله أنفسهم لإيمانهم بوحدة الأمة الإسلامية ، أفتوا بالجهاد للدفاع عنها ، وقاتلوا إلى جنب الخلافة العثمانية وجيشها ، في رد الغزو الإنكليزي للعراق ، بينما قاتل خصوم الشيعة مع المستعمرين ضد المسلمين .
إخواني الأعزاء:
ما دامت هذه عقيدتنا في وحدة الأمة ، فبطريق أولى أن نعتقد بالوحدة بين أتباع أهل البيت عليهم الصلاة والسلام ، فالذي يؤمن بوحدة المواطنين في الوطن، يؤمن بطريق أولى بوحدة الأسرة ، ووحدة الحي ، والبلدة والمدينة .
بل لا بد أن نعتقد بضرورة وحدة الشيعة بالمعنى العام للتشيع، والذي يشمل إخواننا الزيدية والإسماعيلية الذين يتفقون معنا في العقيدة بعصمة أهل الكساء الخمسة صلوات الله عليهم ، فنحن وإياهم أتباع علي وأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم .
فعلينا نحن الأسرة التابعة لأهل البيت عليهم الصلاة والسلام أن نكون طائفة واحدة ، ومادمنا حاضرين للتعايش مع من لا يقول بإمامتهم فكيف بمن يؤمن مثلنا بإمامة علي والحسنين عليهم أفضل الصلاة والسلام ؟
وكيف بمن يؤمن بإمامة الأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم أجمعين ، الذين جعلهم الله في هذه الأمة ، وأولهم أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وخاتمهم المهدي المنتظر روحي له الفداء ، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً . ومعهم الصديقة الطاهرة الزهراء ، التي لها مكانة خاصة في منظومة الإمامة سلام الله عليها .
فنحن أولى الناس بأن تتسع صدورنا للفروق الفقهية والخلافات في تفسير بعض العقائد ، ومنها الخلاف في فهم النبي والأئمة صلوات الله وسلامه عليهم .
وعليه لا يصح أن نقول : هذا إخباري فيجب أن نعاديه ، وهذا أصولي فليس منا ، وهذا يتبع في عقيدته بأهل البيت عليهم الصلاة والسلام للشيخ أحمد الأحسائي فليس منا ، لأن كل ذلك اجتهاداتٌ داخل المذهب ، لا تبرر أن نقع فيما وقع فيه غيرنا ، من التفسيق والتكفير حتى صاروا مذاهب وأحزاباً .
أيها الأخوة الأعزاء:
إن أصل الخلاف بين المرجع الشيخ أحمد الأحسائي ، وبين العلماء الذين خالفوه قدس الله أنفسهم ، إنما هو في منهج فهم النبي والأئمة صلوات الله عليهم ، فأئمتنا عليهم السلام عند غير الشيعة علماء كبار ، صحابة وتابعون ، وليسوا مختارين من الله تعالى أو مفترضي الطاعة .
أما نحن فنؤمن بأنهم صلوات الله عليهم أئمة ربانيون، وقدوات ربانية ، وأن مقامهم جزء لا يتجزأ من مقام رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأن الله تعالى اختارهم معه ، فقال : [ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا … ] إلى آخر الآية ، والذين معه غير الذين آمنوا معه .
وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وآله:من يسكن معك في الفردوس ؟ فقال : علي وفاطمة والحسن والحسين . وسئل : ماذا في الفردوس ؟ قال: فيها قصور محمد وآل محمد ، وقصور إبراهيم وآل إبراهيم .
فدرجة النبي وعترته صلوات الله عليهم أجمعين هي الأولى في الخلائق ، ويأتي بعدهم إبراهيم وآل إبراهيم عليهم السلام .
وهنا تجد الاجتهاد والخلاف العلمي والعقدي في حدود مقامات أهل البيت عليهم الصلاة والسلام ، الذين فرض الله طاعتهم، وجعل لهم الولاية العامة على الأمة ، وجعل لهم دوراً في التكوين والتشريع .
وقد قال الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام : (( اجعلوا لنا ربَّاً نؤب إليه وقولوا فينا ماشئتم ، ولن تبلغوا . والله ما خرج إليكم من فضلنا ( وفي نسخة : من علمنا ) إلَّا ألِفٌ غير معطوفة )) .
ومعناه أنا لم ندرك إلا طرفاً من مكانتهم صلوات الله عليهم بقدر حرف ألف بدون العطفة التي في رأسه !
إن المنهج الذي تبناه المرجع الشيخ الأحسائي أعلى الله مقامه يؤمن بأعلى المقامات للنبي صلى الله عليه وآله والأئمة صلوات الله عليهم .
وها نحن نرى أنه كلما تقدم العلم والتعمق في آيات القرآن ونصوص النبي صلى الله عليه وآله كلما تعزز هذا المنهج في فهمهم عليهم السلام .
فكيف نفسر أن النبي صلى الله عليه وآله لم يكن له ظل !وأي تركيب فيزيوي لبدنه صلى الله عليه وآله لا تنعكس منه أشعة الشمس ؟
وكيف نفسر أن المعصوم عليه السلام تنام عينه ولا ينام قلبه؟ إلى آخر مميزاتهم عليهم السلام التي تدل على أنهم نوع خاص من الناس .
هنا يقول لنا المخالف : ألم يقل الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وآله : [ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ] !
ونقول له : نعم ، بشرٌ مثلنا ، لكن هذا جانب ، والجانب الآخر أنه صلى الله عليه وآله يوحى إليه ، وهو يعني أنه ليس مثلنا !
فعندما يقال لك : هذا إنسان مثلك ، ولكنه يفرق عنك بأمر هو أهم مما يشترك به معك ، فمعناه أنه مثلك في ظاهره ، لكنه في الواقع ليس مثلك ! ولذا قال النبي صلى الله عليه وآله : (( نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد )) ! صلوات الله وسلامه عليهم .
إنه لابد أن نستذكر عندما نتحدث عن آراء الشيخ الأحسائي التي خالفه فيها بعض علماء الطائفة قدس الله أنفسهم ،أن منشأ الاختلاف يكمن في اتجاهه في فهم النبي والأئمة صلوات الله عليهم .
وهنا نقطة مهمة لمن أراد أن يبحث المسائل الخلافية بين الشيخ الأحسائي ومخالفيه : أن الشيخ الأحسائي يكتب بلغه تكثر فيها المصطلحات ، وبأسلوبه الخاص به ، وعندما يكون للمؤلف أسلوب خاص يتسع الاحتمال في معنى كلامه ، وأحياناً لا يمكنك الجزم بمقصوده إلا بتفسيره ، أو تفسير ثقات تلاميذه .
كما أن تلاميذ الشيخ الأحسائي ليسوا سواءً ، ومنهم تلاميذ غير مقبولين ، انحرفوا عنه وشذوا ، حتى أن مؤسس مذهب البابية والبهائية ، يدعي أنه كان من تلاميذه .
وطبيعي أن لا يكون الأستاذ مسؤولاً عن انحراف المنحرفين ، وأنَّك لا يمكن أن تلزمه بكلام تلميذه .
أما جمهور الشيخ أعلى الله مقامه وأتباع مدرسته ، والذين يوجدون في عدة دول ، فلم نرَ منهم انحرافاً ، بل رأينا الإخلاص والولاء الحار الصادق لأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم .
لذلك أعتقد أنه يجب التركيز في هذا المؤتمر وغيره ، على ترك البحوث التخصصية لأهل التخصص ، فلا يصح أن نضع المسائل الفلسفية والعرفانية بأيدي عامة الناس ، لأنهم لا يستطيعون فهم عبارات الشيخ الأحسائي أو مخالفيه .
كما ينبغي لنا عندما نتحدث عن اختلاف العلماء في موقفهم من الشيخ الأحسائي أعلى الله مقامه أن نذكر أن بعضهم مدحه مدحاً كبيراً ، كصاحب الرياض ، وكاشف الغطاء ، وغيرهما ، ممن أعجبوا فيه وأجازوه أو استجازوا منه ، قدس الله أنفسهم .
أيها الإخوة الأعزاء :
إنا بحاجة إلى روحية الوحدة الإسلامية ، وروحية وحدة أتباع أهل البيت عليهم السلام في التعريف بعلمائنا ، وقد كان الشيخ الأوحد قدس الله نفسه سامياً في تعامله مع من خالفه ، ولم ينزل إلى مستويات لا تناسب مقام العلماء الكبار .
في الختام :
إن تكريم علماء أهل البيت عليهم الصلاة والسلام تكريمٌ لهم ، وأهل البيت بحرٌ من نور يغترف منه الكثيرون ، وأفضل من اغترف منه علماؤنا الأبرار رضوان الله عليهم ، ورضوان الله على الشيخ الأوحد . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
إضافة
وقلنا في جواب سؤال آخر في منتديات ( يا حسين ) :
الشيخية جزء من الشيعة الإمامية الإثني عشرية ، ينسبون إلى الفقيه المرجع الشيخ أحمد الأحسائي أعلى الله مقامه ، وهو فقيه وفيلسوف عمل على بلورة فهم النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم نظرياً ، ومعايشتها عملياً . وله مكانته بين فقهاء الشيعة .
وقد انحرف بعده بعض تلامذة تلاميذه ، واخترع المذهب المعروف باسم البهائية، فتلفقه اليهود والغربيون وجعلوه ديناً خارجاً عن الإسلام .
أما أتباع الشيخ أعلى الله مقامه وهم في الحجاز والكويت والعراق ، فيحكمون بكفر البهائيين ، ويبرؤون من المنحرفين من تلاميذ الشيخ الأحسائي .
وبعض الناس يتهمونهم بالغلو في أهل البيت صلوات الله عليهم ، لكني لم أرَ منهم شيئاً من ذلك ، بل لا أجد فرقاً بينهم وبين بقية الشيعة الذين يبرؤونمن الغلو والغلاة ، ويحكمون بكفر من يؤله أهل البيت عليهم الصلاة والسلام أو أي مخلوق ، أو يعتقد أنله شراكة مع الله تعالى ، ولو بمقدار ذرة .
وقد يؤخذ على الشيخية أنهم يلهجون بأهل البيت عليهم السلام وفضائلهم أكثر من غيرهم ، وينتقدون المقصرين في ولايتهم ونشر فضائلهم . لكن هذا فخرٌ وليس عيباً .
أما ما يقوله البعض من أنهم يدعون لأهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين مقامات لم تثبت بدليل صحيح ، فهذا خلاف صغروي ، وهو أمر يتبع دليله من العقل القطعي ، وحديث النبي والمعصومين صلوات الله عليهم .